ومن الإجماع ما حكاه جماعة (١) على أنّ ظانّ ضيق الوقت إذا أخّر الصلاة عصى ، وإن انكشف فساد ظنّه.
ومن العقل حكمه بقبح الجرأة على المولى وهتك احترامه ، والطغيان عليه بالعمد على معصيته.
وربما يقرّر حكم العقل بأنّا إذا فرضنا أنّ شخصين قطعا بحرمة إناءين فشرباهما فأخطأ أحدهما وأصاب الآخر ، فإمّا ألا يستحقّ العقاب واحد منهما ، أو يستحقّانهما جميعا ، أو يستحقّ المصيب دون المخطئ أو بالعكس ، والطرفان باطلان بالضرورة ؛ إذ لا وجه لعدم استحقاق العاصي للعقاب ، وأمّا الوسطان فالأخير منهما مستلزم لإناطة الاستحقاق بأمر غير اختياري ـ أعني به الإصابة ـ فيتعيّن أوّلهما وهو المطلوب (٢).
والجواب عن الجميع إجمالا : أنّها لو تمّت لاقتضت ترتّب الاستحقاق على قصد المعصية الحقيقية دون المقام ، مع عدم الملازمة بين الموردين.
وأمّا الجواب تفصيلا ، فعن الآية الأولى : بأنّ الحساب غير العقاب ، وقد ورد أنّ في حلال الدنيا حسابا. مضافا إلى أنّ إبداء ما في النفس ظاهر في الإقرار بما ارتكبته من المعاصي دون الجري على مقتضى الإرادة ، ليكون إخفاؤه عبارة عن عدم الجري لتدلّ الآية على ترتّب العقاب على القصد الساذج.
وعن الآية الثانية : بأنّ القصد لا يسمّى إرادة إلّا عقيب تأثيره في الحركة نحو المراد ، وما لم يؤثّر عبّر عنه بالعزم ، ولذا أخذوا في تعريف الإرادة التحريك للعضلات ، فتخلو الآية حينئذ عن الدلالة على المقصود.
وعن الآية الثالثة : بأنّ ظاهرها هو ترتّب العقاب والعذاب على مجرّد حبّ شيوع ارتكاب الفواحش بين المؤمنين ، وقضيّته حرمة هذا الحبّ ـ كما دلّ على ذلك أخبار ترتّب الإثم على الرضا بفعل العصاة ـ وأين ذلك من ترتّب الاستحقاق على قصد ارتكاب المعاصي؟! ولا فحوى أيضا في البين.
__________________
(١) راجع منتهى المطلب ١ : ٢٠٩ ، س ٢٤ ، الطبعة الحجريّة.
(٢) فرائد الأصول ١ : ٩.