القولين هو : أن الثاني وان قال بوهمية الزمان إلا إنه يعتقد أن له منشأ انتزاع وهو وجود الواجب تعالی قبل خلق العالم ، والعالم نفسه بعد خلقه (١).
فالعقل بالنظر الى وجود الواجب وثباته وعدم فنائه ، ينتزع منه الزمان ، كما انه بالنظر الى وجود العالم وبقائه ينتزع منه ذلك أيضاً.
الى ثالث (وهو المعروف عن افلاطون) يقول بأن الزمان جوهر مستقل منفصل الذات عن المادة ، فاذا اعتبرت نسبته الى الماديات المتغيرة المقترنة سمي بالزمان.
فليس الزمان الا البعد الممتد المقترن بالمتغيرات (٢).
وهذا القول يصور الزمان بأنه بنفسه بعد سیال مستمر موصوف بالتقدّم والتأخر ، وانه لا أول له ولا آخر ، وأن الأشياء انما تتصف بهذا الوصف بمقایستها ومقارنتها للزمان.
وبتعبير آخر : ان الزمان سيلان أزلي أبدي يشبه النهر الجاري الذي لا بداية له ولا نهاية ، وهو مستقل عن المادة ، والمادة واقعة فيه وقوع الشيء في ظرفه.
وبعبارة ثالثة : أن الزمان موجود مستقل سواء أكان هناك موجود آخر أم لا ، وسواء ادارت الشمس والقمر أم لا وسواء أكان هناك انسان أم لا ، بحيث انه
__________________
(١) الاولى تسمية الزمان على هذا المذهب بالامر الانتزاعي لا الوهمي للفرق الواضح بينهما فان «انیاب الغول» من الأمور الوهمية ، وليست من الأمور الانتزاعية بخلاف الفوقية والتحتية ، فانهما من الامور الانتزاعية.
وبالتالي فان الفرق بين النوعين هو أن الأمور الانتزاعية وان لم تكن موجودة في الخارج ، الا ان الخارج يشتمل على حيثية تصحح انتزاع تلك المفاهيم منها بخلاف الأمور الوهمية.
(٢) لاحظ للوقوف على سائر الأقوال : الشفاء لابن سینا قسم الطبيعيات ص ٣٤٧. والاسفار ج ٣ ص ١٤٥ ـ ١٤٧.