الثاني : أن قوله تعالى : وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ تصریح ـ لا غموض فيه ـ بوجود حياة متوسطة بين الموت والبعث بدليل قوله سبحانه في سورة الرحمان الاية ٢ : بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ.
والمراد من كلمة «ورائهم» هو أمامهم وانما سمى الأمام بالوراء مجازاً بمناسبة انّه يطلبهم ويلاحقهم ، كما أن مستقبل الزمان رغم انّه امام الانسان ولكنه يقال : وراءك يوم عصيب أو يوم كذا ، بعناية ان الزمان يطلب الانسان ليمر عليه قال تعالى : وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا الكهف ـ ٧ أي يطليهم أمامهم ، وقدامهم.
والحاصل أن هذه الجملة الاخيرة تدل على أن بين الدنيا والاخرة فاصلا يسمى البرزخ وهذا الفصل لا يتحقق الا بأن تكون للانسان واقعية في هذا الحد الفاصل اذ لو كان الانسان بين هاتين الفترتين معدوماً بالمرة لما صح أن يقال بين الحياة الدنيا وبين الاخرة برزخ وفصل له.
وقد قال العلامة الطباطبائي في توضيح مفاد هذه الاية :
«المراد بهذا البرزخ عالم القبر وهو عالم المثال الذي يعيش فيه الانسان بعد موته إلى قيام الساعة على ما يعطيه السياق وتدل عليه آيات أخر ، وتكاثرت فيه الروايات من طرق الشيعة عن النبي صلى الله عليه وآله ، وأئمة أهل البيت عليهم السلام وكذا من طرق السنة» (١).
* * *
٨ ـ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ
__________________
(١) الميزان ج ١١ ص ٦٨.