وأما ثانياً ، فان ما یدركه
الانسان من النظام البديع السائد في المحيط الطبيعي الواقع تحت ادراكه يكفي لاثبات
دخالة الشعور والعلم في تكونه وایجاده.
فان العين ـ على سبيل المثال ـ بما فيها
من دقة الصنع وعمق التركيب ، اذا لوحظت بكافة اجهزتها واغشيتها ومياهها وما يسود
فيها من الترابط والاتساق والتعاون لتحقيق هدف خاص وهو الابصار ، وما بين هذه
الحاسة وسائر اعضاء الجسم من التعاون ، حكم الانسان ـ من فوره ـ بان هذا النظم (بالمعنى
المذكور) لا يمكن أن يوجد الا بدخالة شعور وقصد ، دون ان يحتاج في حكمه هذا إلى
الاحاطة بعموم الكون كما توهم المعترض.
ونمثل لذلك بمن يدخل في مكتبة كبرى
ويتصفح كتاباً من كتبها ، وبعد أن يقف على شطر منه يسود فيه الترابط والتناسق
والتعاون بين السطور والفصول الذي يتوقف عليه بيان امر خاص ، فانه يذعن من فوره
بوجود مؤلف عاقل وقدير وراء هذا الكتاب ، سواء تفحص بقية الكتب الموجودة في تلك
المكتبة اولا ، فان في النظم والنسق الموجود في الكتاب المذكور كفاية للدلالة على
وجود مؤلف قادر.
ان الانسان الذي ينظر الى الطبيعة
المحيطة به بواسطة الاجهزة التي زود بها كلما تفحص اكثر ، وقف على مزيد من النظم
والترابط والتناسق في اجزاء الطبيعة ولم يقف أحد الى الان على مورد واحد يسوده
الفوضى ويعمه اللانظام والعشوائية.
العلماء المحققون
والاعتقاد بدخالة الشعور :
ان جهود العلماء وما يجرونه من اختبارات
وفحوص بالميكروسكوب أو التلسكوب يدل على انهم يعتقدون في قرارات نفوسهم بسيادة نظم
دقيق في