فلا تتوهّم منه ومن بعض المفسّرين الّذين فسّروه بالاستعانة في العبادة كما يحكى عن ابن عبّاس أيضا حصره فيها (١) ، فإنّ القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه.
نعم ربما يقال : باشتقاقها من العين ، إمّا بمعنى الناظرة فكما أنّ مطلب أصحاب الرسوم طلب المعونة لعبادة المعبود كذلك مقصد أرباب المكاشفات وحقايق العلوم طلب النور المتجلّى على قلوبهم للتحقّق بمقام المعاينة والشهود ، وهو الفوز بمقام الإحسان ، فإنّ كلّ عابد ليس بمحسن في عبادته بل الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه (٢) ، فمعنى الاستعانة طلب المعاينة من قولهم : لا أطلب أثرا بعد عين أى بعد معاينة.
وإمّا بمعنى النابعة ، فكأنّه يطلب جريان ينابيع الحكمة والمعرفة في قلبه ومن قلبه على لسانه.
لكنّ الاشتقاق منه على الوجهين مع بعده في نفسه ومخالفته لما في تفسير الإمام عليهالسلام موجب للاختصاص في الفائدة الذي لا داعي اليه في المقام.
بقي الكلام في أمور : أحدها في الجمع بين العبادة والاستعانة ، وتقديم الأولى على الثانية ، وذلك أنّه لما نسب جميع الشّئون حتّى التربية وإفاضة الرحمة إليه سبحانه إلى أن تمكّن في مقام الاستغراق في بحر الشهود والتشرّف بمخاطبة الربّ المعبود أقر على نفسه بالعبوديّة ، وأضاف إليها فعل العبادة الّتي هي التربية الحقيقيّة ، وحقيقة الرحمة الرحيميّة ، ثمّ لمّا أوهم هذا أنّ له استقلالا في ذلك ، أو أنّ له أنانيّة هنالك ، فينثلم به أساس التوحيد ، وينمحق به ما أسّسه أوّلا من التمجيد
__________________
(١) في تفسير البصائر ج الفاتحة ص ١٢٨ : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فيه قولان : قال ابن عبّاس : اى إيّاك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلّها.
(٢) نور الثقلين ج ١ / ٥٥٣ ح ٥٧٩ عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.