تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) [المطففين : ١ ، ٢] أي : الكيل (وَإِذا كالُوهُمْ) [المطففين : ٢] أي : كالوا لهم (أَوْ وَزَنُوهُمْ) أي : وزنوا لهم (يُخْسِرُونَ) [المطففين : ٣] ينقصون الكيل أو الوزن.
(وَزِنُوا) أي : لأنفسكم ولغيركم (بِالْقِسْطاسِ) أي : الميزان الأقوم وأكد معناه بقوله (الْمُسْتَقِيمِ) وقيل : هو بالرومية العدل ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف ، والباقون بالضمّ.
تنبيه : الكيل على ثلاثة أضرب : واف ، وطفيف ، وزائد ، فأمر بالواجب الذي هو الإيفاء بقوله تعالى : (أَوْفُوا الْكَيْلَ) ونهى عن المحرم الذي هو التطفيف بقوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) ولم يذكر الزائد لأنه إن فعله فقد أحسن وإن لم يفعله فلا إثم عليه ، والوزن في ذلك كالكيل ، ولهذا عمم في النهي عن النقص بقوله : (وَلا تَبْخَسُوا) أي : تنقصوا (النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي : في كيل أو وزن أو غير ذلك ، ثم أتبع ذلك بما هو أعم بقوله (وَلا تَعْثَوْا) أي : لا تنصرفوا (فِي الْأَرْضِ) من غير تأمل حال كونكم (مُفْسِدِينَ) أي : في المال أو غير ذلك كقطع الطريق والقتل.
ثم خوفهم بعد أن وعظهم ونهاهم عن الفساد من سطوة الجبار ما حل بمن هو أعظم منهم بقوله :
(وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦))
(وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي : من نطفة فإعدامكم أهون شيء عليه وأشار إلى ضعفهم وقوة من كان قبلهم بقوله (وَالْجِبِلَّةَ) أي : الجماعة والأمم (الْأَوَّلِينَ) الذين كانوا على خلقة وطبيعة عظيمة كأنها الجبال قوة وصلابة لا سيما قوم هود الذين بلغت بهم الشدة حتى قالوا من أشدّ منا قوّة ، وقد أخذهم الله تعالى أخذ عزيز مقتدر.
ثم إنهم أجابوه بالقدح في الرسالة أولا وباستصغار الوعيد ثانيا : بأن. (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أي : الذين كرّر سحرهم مرّة بعد أخرى حتى اختلفوا فصار كلامهم على غير نظام ، أو من المعللين بالطعام والشراب كما مضى في صالح عليهالسلام أي : فأنت بعيد عن الصلاحية للرسالة ، ثم أشاروا إلى عدم صلاحية البشر لها مطلقا ولو كان أعقل الناس بقولهم : (وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) أي : فلا وجه لتخصيصك عنا بذلك وأتوا بالواو للدلالة على أنه جامع بين وصفين مناقضين منافيين