حتى يصح وقوع المضاف إلى المنذرين فاعل ساء وذلك لأنّ فاعل فعل الذمّ أو المدح يجب أن يكون معرفا بلام الجنس ، أو مضافا إلى المعرف بلام الجنس ليحصل الإبهام المقصود ثم التفصيل ولا يأتي ذلك في لام العهد ، والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : إنجاء لوط ومن معه وإهلاك هؤلاء الكفار الفجار (لَآيَةً) أي : دلالة عظيمة على ما يصدق الرسل في جميع ترغيبهم وترهيبهم.
ولما كان من أتى بعد هذه الأمم كقريش ومن بعدهم قد علموا أخبارهم وضموا إلى تلك الأخبار نظر الديار والتوسم في الآثار ، قال تعجبا من حالهم في ضلالهم (وَما) أي : والحال أنه ما (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) بما وقع لهؤلاء.
(وَإِنَّ رَبَّكَ) وحده (لَهُوَ الْعَزِيزُ) أي : في بطشه لأعدائه (الرَّحِيمُ) في لطفه بأوليائه.
ثم أتبع قصة لوط عليهالسلام بقصة شعيب عليهالسلام وهي القصة السابعة قال تعالى : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) أي : الغيضة ذات الأرض الجيدة التي تبتلع الماء فتنبت الشجر الكثير الملتف (الْمُرْسَلِينَ) لتكذيبهم شعيبا عليهالسلام فيما أتى به من المعجزة المساوية في خرق العادة وعجز المتحدين بها عن مقاومتها لبقية المعجزات الآتي بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر ليكة بلام مفتوحة من غير ألف وصل وياء ساكنة ولا همزة قبلها وفتح تاء التأنيث ، والباقون بإسكان اللام وقبلها وصل وبعد اللام همزة مفتوحة بعدها ياء ساكنة وخفض تاء التأنيث ، قال أبو عبيدة : وجدنا في بعض التفاسير الفرق بين ليكة والأيكة فقيل : ليكة هو اسم للقرية التي كانوا فيها ، والأيكة : البلاد كلها فصار الفرق بينهما شبيها لما بين مكة وبكة.
ثم بين تعالى وقت تكذيبهم بقوله تعالى : (إِذْ) أي : حين (قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) برفق ولطف (أَلا تَتَّقُونَ) الله الذي تفضل عليكم بنعمه ولم يقل أخوهم شعيب لأنه لم يكن من أهل الأيكة في النسب لأنهم كانوا أهل بدو وكان عليهالسلام قرويا ، لأنّ الله تعالى لم يرسل نبيا إلا من أهل القرى تشريفا لهم ، لأنّ البركة والحكمة في الاجتماع ، ولذلك نهى النبي صلىاللهعليهوسلم عن التعرب بعد الهجرة وقال : «من يرد الله به خيرا ينقله من البادية إلى الحاضرة» (١) ولما ذكر مدين قال أخاهم شعيبا لأنه كان منهم وكان الله تعالى بعثه إلى قومه أهل مدين وأصحاب الأيكة.
ثم أكد ما قاله بقوله : (إِنِّي) وأشار إلى تبشيرهم إن أطاعوه بقوله (لَكُمْ رَسُولٌ) أي : من عند الله فهو أمرني أن أقول لكم ذلك (أَمِينٌ) أي : لا خيانة عندي ولا غش فلذلك أبلغ جميع ما أرسلت به ولذلك تسبب عنه قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ) أي : المحسن إليكم بهذه الغيضة وغيرها (وَأَطِيعُونِ) لما ثبت من نصحي لكم ، ثم ذكر ما ذكر من تقدّمه من الأنبياء من نفي ما يتوهم أنّ لهم رغبة في أجرة على دعائهم فقال : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي : دعائي لكم إلى الإيمان بالله تعالى (مِنْ أَجْرٍ) ثم زاد في البراءة من الطمع في أحد من الخلق بقوله (إِنْ) أي : ما (أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : المحسن إلى الخلائق كلهم فأنا لا أرجو أحدا سواه.
ثم نصحهم بقوله : (أَوْفُوا الْكَيْلَ) أي : أتموه إتماما لا شبهة فيه إذا كلتم كما توفونه إذا اكتلتم (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) أي : الناقصين لحقوق الناس في الكيل والوزن كما قال
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.