ولما اتضح الحق عندهم وعرفوا أن لا وجه لهم في ذلك وانقطعت حجتهم. (قالُوا) مقسمين (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) وسموه باسمه جفاء وغلظة بقولهم : (يا لُوطُ) أي : عن مثل إنكارك هذا علينا (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) أي : ممن أخرجناه من بلدنا على وجه فظيع من تعنيف واحتباس أملاك كما هو حال الظلمة إذا أجلوا بعض من يغضبون عليه وكما كان يفعل بعض أهل مكة بمن يريد المهاجرة ، وفي هذا إشارة إلى أنه غريب عندهم وأنّ عادتهم المستّمرة نفي من اعترض عليهم.
(قالَ) مجيبا لهم (إِنِّي) مؤكدا لمضمون ما يأتي به (لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) أي : المبغضين غاية البغض لا أقف عن الإنكار عليه بالإبعاد.
تنبيه : قوله من القالين : أبلغ من أن يقول إني لعملكم قال كما تقول فلان من العلماء فيكون أبلغ من قولك فلان عالم لأنك تشهد له بكونه معدودا في زمرتهم ومعروفة مساهمته لهم في العلم ، والقلي : البغض الشديد كأنّ البغض يقلي الفؤاد والكبد والقالي المبغض كما قال القائل (١) :
ووالله ما فارقتكم قاليا لكم |
|
ولكن ما يقضى عليّ يكون |
ثم إنه عليهالسلام دعا إلى الله تعالى بقوله :
(رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي) وقوله : (مِمَّا يَعْمَلُونَ) يحتمل أن يريد من عقوبة عملهم ، قال الزمخشري : وهو الظاهر ، ويحتمل أن يريد بالتنجية العصمة.
ثم إنّ الله تعالى قبل دعاءه كما قال تعالى : (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) مما عذبناهم به بإخراجنا له من بلدهم حين استخفافهم له ولم نؤخره عنهم إلى حين خروجهم إلا لأجله ، وأكد بقوله تعالى : (أَجْمَعِينَ) إشارة إلى أنه نجى أهل بيته ومن تبعه على دينه.
ثم استثنى تعالى من أهل بيته قوله تعالى : (إِلَّا عَجُوزاً) وهي امرأته كائنة (فِي) حكم (الْغابِرِينَ) أي : الماكثين الذين تلحقهم الغبرة بما يكون من الداهية فإننا لم ننجها لقضائنا بذلك في الأزل لكونها لم تتابعه في الدين ولم تخرج معه وكانت مائلة إلى القوم راضية بفعلهم ، وقيل : أنها خرجت فأصابها حجر في الطريق فأهلكها.
فإن قيل : كان أهله مؤمنين ولو لا ذلك لما طلب لهم النجاة فكيف استثنيت الكافرة منهم؟ أجيب : بأنّ الاستثناء إنما وقع من أهل بيته كما مرّت الإشارة إليه وفي هذا الاسم لها معهم مشركة بحق الزواج وإن لم تشاركهم في الإيمان ، فإن قيل : في الغابرين صفة لها كأنه قيل إلا عجوزا في الغابرين غابرة ولم يكن الغبور صفتها وقت تنجيتهم؟ أجيب : بأنّ معناه إلا عجوزا مقدّرا غبورها ، أو في حكمهم كما مرت الإشارة إليه.
(ثُمَّ دَمَّرْنَا) أي : أهلكنا (الْآخَرِينَ) أي : المؤخرين عن اتباع لوط وفي التعبير بلفظ الآخرين إشارة إلى تأخرهم من كل وجه ، ثم لما كان المراد بقوله تعالى : دمرنا حكمنا بتدميرهم عطف عليه قوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) قال وهب بن منبه : الكبريت والنار ، وقال قتادة : أمطر الله تعالى على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكتهم (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) اللام فيه للجنس
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لذي القرنين أبي المطاع بن حمدان في تاج العروس (برد) ، ومعجم البلدان (بردى) ، وللأخوة الأودي في الدرر ٢ / ٤٠ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في أمالي القالي ١ / ٩٩ ، وأوضح المسالك ١ / ٣٤٨ ، وشرح الأشموني ١ / ١٠٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٢٥ ، وشرح قطر الندى ص ١٤٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣١٥.