عند رؤية البأس فلم ينفعهم.
(فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) أي : العذاب الموعود على عقرها (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : ما تقدم في هذه القصة من الغرائب (لَآيَةً) أي : دلالة عظيمة على صحة ما أمروا به عن الله (وَما) أي : والحال أنه مع ذلك ما (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) بل استمرّوا على ما هم عليه.
(وَإِنَّ رَبَّكَ) أي : المحسن إليك بأحسن الأخلاق (لَهُوَ الْعَزِيزُ) أي : فلا يخرج شيء عن قبضته وإرادته (الرَّحِيمُ) أي : في كونه لم يهلك أحدا حتى يرسل إليهم رسولا يبين لهم ما يرتضيه الله تعالى وما يسخطه.
ثم أتبع قصة صالح عليهالسلام قصة لوط عليهالسلام وهي القصة السادسة فقال : (كَذَّبَتْ) أي : كتكذيب من تقدم كأنهم تواصوا به (قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ) لأنّ من كذب رسولا كما مضى فقد كذب الكل ثم بين إسراعهم في الضلال بقوله تعالى : (إِذْ) أي : حين (قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) أي : في البلد لا في الدين ولا في النسب لأنه ابن أخي إبراهيم عليهماالسلام وهما من بلاد الشرق من أرض بابل ، وكأنه عبر بالأخوة لاختياره لمجاورتهم ومناسبتهم بمصاهرتهم وإقامته بينهم في مدينتهم مدة مديدة وسنين عديدة وإتيانه بالأولاد من نساءهم مع موافقته لهم في أنه قروي ثم بينه بقوله تعالى : (لُوطٌ) بصيغة العرض كغيره ممن تقدم (أَلا تَتَّقُونَ) الله فتجعلون بينكم وبين سخطه وقاية.
ثم علل ذلك بقوله : (إِنِّي لَكُمْ) أي : خاصة (رَسُولٌ) فلا تسعني المخالفة (أَمِينٌ) لا غش عندي ولا خيانة ، ثم تسبب عن ذلك قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ) أي : الملك العظيم فإنه قادر على ما يريد فلا تعصوه (وَأَطِيعُونِ) أي : لأنّ طاعتي سبب نجاتكم لأني لا آمركم إلا بما يرضيه ولا أنهاكم إلا عما يغضبه.
ثم نفى عن نفسه ما يتوهم كما تقدم لغيره بقوله : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي : الدعاء إلى الله تعالى (مِنْ أَجْرٍ) أي : فتتهموني بسببه (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : المحسن إليّ بإيجادكم ثم بتربيتكم.
ثم وبخهم ووعظهم بقوله : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ) وقوله (مِنَ الْعالَمِينَ) يحتمل عوده إلى الآتي ، أي : أنتم من جملة العالمين مخصوصون بهذه الصفة وهي إتيان الذكور ولم يفعل هذا الفعل غيركم من الناكحين من الخلق ، ويحتمل عوده إلى المأتي : أي : أنتم اخترتم الذكران من العالمين كالإناث منهم وعلى هذا يحتمل أن يراد الذكران من الآدميين ومن غيرهم توغلا في الشرّ وتجاهرا بالتهتك ، قال البقاعي : وإن يراد الآدميون وجرى عليه البغوي وأكثر المفسرين أي : تريدون الذكران من أولاد آدم مع كثرة الإناث وغلبتهنّ.
(وَتَذَرُونَ) أي : تتركون لهذا الغرض (ما خَلَقَ لَكُمْ) أي : للنكاح (رَبُّكُمْ) أي : المحسن إليكم وقوله (مِنْ أَزْواجِكُمْ) يصلح أن يكون تبيينا أي : وهن الإناث وأن يكون للتبعيض ويكون المخلوق لذلك هو القبل ، وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم ، ثم كأنهم قالوا نحن لم نترك نساءنا أصلا ورأسا وإن كانوا قد فهموا أنّ مراده تركهن حال الفعل في الذكور ، فقال مضربا عن مقالهم لما أرادوا به حيدة عن الحق وتماديا في الفجور (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) أي : متجاوزون عن حدّ الشهوة حيث زادوا على سائر الناس بل والحيوانات أي : مفرطون في المعاصي ، وهذا من جملة ذلك ، أو أحقاء بأن توصفوا بالعدوان بارتكابكم هذه الجريمة.