والتبعيض ، وإذا كان ذلك محالا في حق إله العالم امتنع إثبات الولد.
ولما ذكر تعالى هذا البرهان القاطع قال تعالى مسببا عن ذلك : (فَذَرْهُمْ) أي : اتركهم على أسوأ أحوالهم (يَخُوضُوا) أي : يفعلوا في باطلهم فعل الخائض في الماء (وَيَلْعَبُوا) أي : يفعلوا فعل اللاعب في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا) أي : يفعلوا بتصرم أعمارهم في فعل ما لا ينفعهم فعل المجتهدين في أن يلقوا (يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أي : بوعد لا خلف فيه وهو يوم القيامة فيظهر فيه وعيدهم والمقصود منه التهديد لأنه تعالى ذكر الحجة القاطعة على فساد ما ذكروا فلم يلتفتوا إليها لأجل استغراقهم في طلب المال والجاه والرياسة ، فاتركهم في ذلك الباطل واللعب حتى يصلوا إلى ذلك اليوم الموعود به.
ثم زاد في التنزيه فقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) أي : معبود لا شريك له (وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) تتوجه الرغبات إليه في جميع الأحوال وتخلص إليه في جميع أوقات الاضطرار ، فقد وقع الإجماع من جميع من في السماء والأرض على إلهيته فثبت استحقاقه لهذه الرتبة وثبت اختصاصه باستحقاقها في الشدائد فباقي الأوقات كذلك من غير فرق لأنه لا مشارك له في هذا الاستحقاق فعبادة غيره باطلة ، وقرأ قالون والبزي بتسهيلها مع المد والقصر ، وقرأ أبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المد والقصر ، وقرأ ورش وقنبل بتسهيل الثانية وإبدالها أيضا ألفا وقرأ الباقون بتحقيقهما.
تنبيه : كل من الظرفين متعلق بما بعده لأن إله بمعنى معبود أي : معبود في السماء ومعبود في الأرض وحينئذ يقال : الصلة لا تكون إلا جملة أو ما في تقديرها وهو الظرف وعديله ولا شيء منهما هنا؟ أجيب : بأن المبتدأ حذف لدلالة المعنى عليه وذلك المحذوف هو العائد تقديره وهو الذي هو في السماء إله وهو في الأرض إله ، وإنما حذف لطول الصلة بالمعمول فإن الجار متعلق بإله ومثله ما أنا بالذي قائل لك سوأ (وَهُوَ الْحَكِيمُ) أي : البليغ الحكمة في تدبير خلقه (الْعَلِيمُ) أي : البالغ في علمه بمصالحهم.
(وَتَبارَكَ) أي : وثبت ثباتا لا يشبهه ثبات لأنه لا زوال له مع اليمن والبركة وكل كمال فلا شبيه له حتى يدعى أنه ولد له أو شريك. ثم وصفه تعالى بما يبين تباركيته واختصاصه بالألوهية فقال عز من قائل : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ) أي : كلها (وَالْأَرْضِ) كذلك (وَما بَيْنَهُما) أي : وما بين كل اثنين منهما ، والدليل على هذا الإجماع القائم على توحيده عند الاضطرار (وَعِنْدَهُ) أي : وحده (عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : العلم بالساعة التي تقوم القيامة فيها (وَإِلَيْهِ) أي : وحده لا إلى غيره (تُرْجَعُونَ) بأيسر أمر تحقيقا لملكه وقطعا للنزاع في وحدانيته ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء التحتية على الغيبة ، والباقون بالفوقية على الالتفات للتهديد.
(وَلا يَمْلِكُ) أي : بوجه من الوجوه في وقت ما (الَّذِينَ يَدْعُونَ) أي : يعبدون أي : الكفار (مِنْ دُونِهِ) أي : الله تعالى (الشَّفاعَةَ) كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله وقوله تعالى (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) أي : قال : لا إله إلا الله ، فيه قولان ؛ أحدهما : أنه متصل إن أريد بالموصول كل ما عبد من دون الله والمعنى : لا يقدر هؤلاء أن يشفعوا لأحد إلا من شهد بالحق (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي : بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم وهم عيسى ومريم وعزير والملائكة فإنهم يملكون أن يشفعوا للمؤمنين بتمليك الله تعالى إياهم لها ، والثاني : هو منقطع إن خص بالأصنام.