لا يعقل وإن أريد شيء مما يعقل فلا دعوة له مقبولة بوجه فإنه لا يقوم عليها
دليل بل ولا شبهة موهمة (فِي
الدُّنْيا) أي : التي هي محل الأسباب الظاهرة (وَلا فِي الْآخِرَةِ) أي : ليس له استجابة دعوة فيهما فسمى استجابة الدعوة
دعوة إطلاقا لاسم أحد المتضايفين على الآخر كقوله تعالى (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] وكقولهم : «كما تدين تدان» ، وقيل : ليس له دعوة أي : عبادة في الدنيا لأن الأوثان
لا تدعي الربوبية ولا تدعو إلى عبادتها وفي الآخرة تتبرأ من عابديها ثم قال : (وَأَنَّ مَرَدَّنا) أي : مرجعنا (إِلَى
اللهِ) أي : الذي له الإحاطة بصفات الكمال فيجازي كل أحد بما
يستحقه (وَأَنَّ
الْمُسْرِفِينَ) أي : المجاوزين للحدود العريقين في هذا الوصف ، قال
قتادة : وهم المشركون لقوله تعالى : (هُمْ) أي : خاصة (أَصْحابُ
النَّارِ) أي : ملازموها ، وعن مجاهد : هم السفاكون للدماء بغير
حلها ، وقيل : الذين غلب شرهم هم المسرفون.
ولما بالغ هذا
المؤمن في هذا الشأن ختم كلامه بخاتمة لطيفة هي قوله : (فَسَتَذْكُرُونَ) أي : قطعا بوعد لا خلف فيه مع القرب (ما أَقُولُ لَكُمْ) حين لا ينفعكم الذكر في يوم الجمع الأعظم والزحام الذي
يكون فيه القدم على القدم إذا رأيتم الأهوال والنكال والزلزال إن قبلتم نصحي أو لم
تقبلوه.
ولما خوفهم
بذلك توعدوه وخوفوه بالقتل فعوّل في دفع تخويفهم وكبرهم ومكرهم على الله تعالى
بقوله : (وَأُفَوِّضُ) أي : أنا الآن بسبب أنه لا دعوة لغير الله (أَمْرِي) أي : فيما تمكرونه بي (إِلَى
اللهِ) أي : الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلما فهو يحمي منكم من
شاء وهو إنما تعلم هذه الطريقة من موسى عليهالسلام حين خوفه فرعون بالقتل فرجع موسى عليهالسلام في دفع ذلك الشر إلى الله تعالى فقال : (إِنِّي عُذْتُ
بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) [غافر : ٢٧] ، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بالسكون.
ولما علق
تفويضه بالاسم العلم الجامع المقتضي للإحاطة علل ذلك بقوله : (إِنَّ اللهَ) أي : الذي لا يخفى عليه شيء (بَصِيرٌ) أي : بالغ العلم (بِالْعِبادِ) ظاهرا وباطنا فيعلم من يستحق النصرة فينصره لاتصافه
بأوصاف الكمال ويعلم من يمكر فيرد مكره عليه بما له من الإحاطة ، قال مقاتل : فلما
قال هذه الكلمات قصدوا قتله.
(فَوَقاهُ
اللهُ) أي : حصل له وقاية تنجيه منهم جزاء على تفويضه (سَيِّئاتِ) أي : شدائد (ما
مَكَرُوا) دينا ودنيا فنجاه مع موسى عليهالسلام ، قال قتادة : وكان قبطيا تصديقا لوعده سبحانه بقوله
تعالى : (أَنْتُما
وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) [القصص : ٣٥].
ولما كان المكر
السيئ لا يحيق إلا بأهله قال تعالى : (وَحاقَ) أي : نزل محيطا بعد إحاطة الإغراق (بِآلِ فِرْعَوْنَ) أي : فرعون وأتباعه لأجل إصرارهم على الكفر ومكرهم هذا
إن قلنا : إن الآل مشترك بين الشخص وأتباعه وإن لم نقل ذلك فالإحاقة بفرعون من باب
أولى لأن العادة جرت أنه لا يوصل إلى جميع أتباع الإنسان إلا بعد إذلاله وأخذه (سُوءُ الْعَذابِ) أي : الغرق في الدنيا والنار في الآخرة ، فإن قيل :
قوله تعالى : (وَحاقَ
بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) معناه : أنه رجع إليهم
__________________