ما هموا به من المكر بالمسلمين ، كقول العرب : من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا ، فإذا فسر سوء العذاب بالغرق في الدنيا ونار جهنم في الآخرة لم يكن مكرهم راجعا إليهم لأنهم لا يعذبون بذلك؟ أجيب : بأنهم هموا بشر فأصابهم ما وقع عليه اسم السوء ولا يشترط في الحيق أن يكون الحائق ذلك السوء بعينه.
وقوله تعالى : (النَّارُ) في إعرابه ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أنه بدل من سوء العذاب ، قاله الزجاج ، ثانيها : أنه خبر مبتدأ محذوف أي : هو أي : سوء العذاب النار لأنه جواب لسؤال مقدر وقوله تعالى : (يُعْرَضُونَ) على هذين الوجهين يجوز أن يكون حالا من النار وأن يكون حالا من آل فرعون ، ثالثها : أنه مبتدأ وخبره يعرضون (عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) أي : صباحا ومساء ، قال ابن مسعود : أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود يعرضون على النار كل يوم مرتين تغدو وتروح إلى النار ويقال : يا آل فرعون هذه منازلكم حتى تقوم الساعة. وقال قتادة : تعرض روح كل كافر على النار بكرة وعشيا ما دامت الدنيا. وروى ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى يوم القيامة» (١).
ثم أخبر الله تعالى عن مستقر آل فرعون يوم القيامة بقوله سبحانه وتعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) يقال لهم : (أَدْخِلُوا آلَ) أي : يا آل (فِرْعَوْنَ) أي : هو بنفسه وأتباعه لأجل اتباعهم له فيما أضلهم به (أَشَدَّ الْعَذابِ) وهو عذاب جهنم ، أجارنا الله تعالى نحن وأحباءنا منها فإنه أشد مما كانوا فيه أو أشد عذاب جهنم ، وهذه الآية نص على إثبات عذاب القبر كما نقل عن عكرمة ومحمد بن كعب ، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي بقطع الهمزة مفتوحة وكسر الخاء وصلا وابتداء على أمر الملائكة بإدخالهم النار ، والباقون بوصل الهمزة وضم الخاء وصلا في الابتداء بضم الهمزة.
واختلف في العامل في قوله تعالى : (وَإِذا) على ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أنه معطوف على غدوا فيكون معمولا ليعرضون على النار في هذه الأوقات كلها ، قاله أبو البقاء ، ثانيها : أنه معطوف على قوله إذا القلوب لدى الحناجر قاله الطبري ونظر فيه لبعد ما بينهما ، وثالثها : أنه منصوب بإضمار اذكر أي : واذكر يا أشرف الخلق لقومك إذ (يَتَحاجُّونَ) أي : الكفار (فِي النَّارِ) أي : يتخاصمون فيها أتباعهم ورؤساؤهم مما لا يغنيهم (فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ) أي : الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) أي : طلبوا أن يكونوا كبراءهم الرؤساء (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ) أي : دون غيركم (تَبَعاً) أي : أتباعا فتكبرتم على الناس بنا (فَهَلْ أَنْتُمْ) أيها الكبراء (مُغْنُونَ) أي : كافون ومجزئون وحاملون (عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ).
تنبيه : تبعا اسم جمع لتابع ونحوه خادم وخدم ، قال البغوي : والتبع يكون واحدا وجمعا في قول أهل البصرة واحده تابع ، وقال الكوفيون : هو جمع لا واحد له وجمعه أتباع ، وقيل : إنه مصدر واقع موقع اسم الفاعل أي : تابعين ، وقيل : مصدر ولكنه على حذف مضاف أي : ذوي تبع
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجنائز حديث ١٣٧٩ ، ومسلم في الجنة حديث ٢٨٦٦ ، والترمذي في الجنائز حديث ١٠٧٢ ، والنسائي في الجنائز حديث ٢٠٧٠.