(وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) لنا بأن نراهم مطيعين لك ولا شيء أسر للمؤمن من أن يرى حبيبه يطيع الله تعالى ، وعن محمد بن كعب ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده يطيعون الله ، وعن ابن عباس هو الولد إذا رآه يكتب الفقه وخصوا الأزواج والذرية بذلك ؛ لأن الأقربين أولى بالمعروف.
تنبيه : من في قوله تعالى (مِنْ أَزْواجِنا) يحتمل أن تكون بيانية كأنه قيل : هب لنا قرة أعين ، ثم بينت القرة وفسرت بقوله : (مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا) ومعناه أن اجعلهم لهم قرة أعين وهو من قولهم رأيت منك أسدا أي : أنت أسد ، وأن تكون ابتدائية على معنى هب لنا من جهتهم ما تقر به عيوننا من طاعة وإصلاح وأتوا بجمع القلة في أعين ؛ لأن المتقين الذين يفعلون الطاعة ويسرون بها قليلون في جنب العاصين ، وقيل : سألوا أن يلحق الله بهم أزواجهم وذريتهم في الجنة ليتم لهم سرورهم ووحد القرّة لأنها مصدر ، وأصلها من البرد لأن العرب تتأذى من الحر وتتروح إلى البرد وتذكر قرة العين عند السرور وسخنة العين عند الحزن ويقال : دمع العين عند السرور بارد وعند الحزن حار ، وقال الأزهري : معنى قرة العين أن يصادف قلبه من يرضاه فتقر عينه عن النظر إلى غيره ، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص بألف بعد الياء على الجمع والباقون بغير ألف على الإفراد (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) أي : أئمة يقتدون بنا في أمر الدين بإضافة العلم والتوفيق للعمل فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ولعدم اللبس كقوله تعالى : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [غافر ، ٦٧] أو أرادوا واجعل كل واحد منا أو أرادوا جمع آم كصائم وصيام أو أرادوا اجعلنا إماما واحدا لاتحادنا واتفاق كلمتنا ، وعن بعضهم في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين يحسن أن تطلب ويرغب فيها ، وقال الحسن : نقتدي بالمتقين ويقتدي المتقون بنا ، وقيل : هذا من المقلوب ، أي : واجعل المتقين لنا إماما واجعلنا مؤتمين مقتدين بهم ، وهو قول مجاهد ، وقيل : نزلت هذه الآية في العشرة المبشرين بالجنة.
ولما بين تعالى صفات المتقين المخلصين بين بعده إحسانه إليهم بقوله تعالى : (أُوْلئِكَ) أي : العالو الرتبة العظيمة العظيمو المنزلة (يُجْزَوْنَ) أي : فضلا من الله تعالى على ما وفقهم له من هذه الأعمال الزاكية والأحوال الصافية (الْغُرْفَةَ) أي : الغرفات وهي العلالي في الجنة فوحد اقتصارا على الواحد الدال على الجنس والدليل على ذلك قوله تعالى : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) [سبأ ، ٣٧] ، وقيل : هي من أسماء الجنة ، ولما كانت القرب في غاية التعب لمنافاتها لشهوات النفس وهواها وطبع البدن رغب فيها بأن جعلها سببا لهذا الجزاء بقوله تعالى : (بِما صَبَرُوا) أي : أوقعوا الصبر على أمر ربهم ومرارة غربتهم بين الجاهلين في أفعالهم وأقوالهم وأحوالهم وغير ذلك من معالي خلالهم.
ولما كان المنزل لا يطيب إلا بالكرامة والسلامة. قال تعالى (وَيُلَقَّوْنَ فِيها) أي : الغرفة (تَحِيَّةً) أي : دعاء الحياة من بعضهم لبعض ومن الملائكة الذين لا يرد دعاؤهم ولا يمترى في إخبارهم ، لأنهم عن الله تعالى ينطقون وذلك على وجه الإعظام والإكرام مكان ما أهانهم عباد الشيطان وقيل : ملكا وقيل : بقاء دائما (وَسَلاماً) أي : من الله والملائكة وغيرهم وسلامة من كل آفة مكان ما أصابوهم بالمصائب : اللهم وفقنا لطاعتك واجعلنا من أهل رحمتك وارزقنا مما رزقتهم في دار رضوانك يا أرحم الراحمين ، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة بفتح الياء وسكون اللام