(رَحِيماً). روى البخاري في التفسير أن ناسا من أهل الشرك كانوا قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا ، فأتوا محمد صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلت هذه الآية ونزل (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر ، ٥٣] :
(وَمَنْ تابَ) أي : عن ذنوبه غير ما ذكر (وَعَمِلَ) تصديقا لادعائه التوبة (صالِحاً) ولو كان كل من نيته وعمله ضعيفا ورغب سبحانه في ذلك بقوله تعالى معلما أنه يصل إلى الله (فَإِنَّهُ يَتُوبُ) أي : يرجع واصلا (إِلَى اللهِ) أي : الذي له صفات الكمال فهو يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات (مَتاباً) أي : رجوعا مرضيا عند الله بأن يرغبه الله تعالى في الأعمال الصالحة فلا يزال كل يوم في زيادة بنيته وعمله فيخف عليه ما كان ثقيلا ويتيسر عليه ما كان عسيرا ، ويسهل عليه ما كان صعبا كما مرّ في أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ولا يزال كذلك حتى يحبه فيكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها بأن يوفقه للخير فلا يسمع إلا ما يرضيه وهكذا.
ولما وصف سبحانه وتعالى عباده بأنهم تحلوا بأصول الفضائل وتخلوا عن أمهات الرذائل ورغب في التوبة ؛ لأن الإنسان لعجزه لا ينفك عن النقص مدحهم بصفة أخرى وهي الصفة المذكورة في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ) أي : لا يحضرون (الزُّورَ) أي : القول المنحرف عن الصدق كذبا كان أو مقاربا له فضلا عن أن يتفوهوا به للخبر فلا يسمعوا أو يقروا عليه في مواعظ عيسى ابن مريم عليهالسلام إياكم ومجالسة الخطائين ويحتمل أنهم لا يشهدون شهادة الزور فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وعن قتادة مجالس الباطل وعن ابن الحنفية اللهو والغناء ، وعن مجاهد أعياد المشركين ، ثم عطف عليه بما هو أعم منه بقوله تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ) أي : الذي ينبغي أن يطرح من الكلام القبيح وغيره (مَرُّوا كِراماً) أي : آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر إن تعلق بهم أمر أو نهي إشارة أو عبارة على حسب ما يرون نافعا ، فإن لم يتعلق بهم ذلك كانوا معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه لقوله تعالى : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) [القصص ، ٥٥] ، ومن ذلك الإغضاء عن الفواحش والصفح عن الذنوب والكناية عما ما يستهجن التصريح به ، وعن الحسن لم تشقهم المعاصي ، وقيل : إذا سمعوا من الكفار الأذى أعرضوا عنه.
ثم ذكر الصفة الثامنة بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا) أي : ذكرهم غيرهم كائنا من كان لأنهم يعرفون الحق بنفسه لا بقائله (بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي : الذي وفقهم ليذكر إحسانه إليهم في حسن تربيته لهم بالاعتبار بالآيات المرئية والمسموعة (لَمْ يَخِرُّوا) أي : لم يسقطوا (عَلَيْها صُمًّا) أي : غير واعين لها (وَعُمْياناً) أي : غير متبصرين بما فيها كمن لا يسمع ولا يبصر كأبي جهل والأخنس ابن شريق بل خروا سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية ، فالمراد من النفي نفي الحال وهي : صما وعميانا دون الفعل وهو الخرور ، فالمراد نفي القيد دون المقيد كما تقول : لا يلقاني زيد مسلما هو نفي للسلام لا للقاء.
الصفة التاسعة المذكورة في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ) أي : علما منهم بعد اتصافهم بجميع ما مضى أنهم أهل للإمامة (رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا) اللاتي قرنتهن بنا كما فعلت بنبيك محمد صلىاللهعليهوسلم فمدحت أزواجه في كلامك القديم ، وجعلت مدحهن يتلى على تعاقب الأزمان والسنين