وتخفيف القاف من لقي كما قال تعالى : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم ، ٥٩] ، والباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف أي : يجعلهم الله تعالى لاقين بأيسر أمر كما قال تعالى (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) [الإنسان ، ١١].
(خالِدِينَ فِيها) أي : الغرفة لا يموتون ولا يخرجون مكان ما أزعجوهم من ديارهم حتى هاجروا ودلّ على علو أمرها وعظيم قدرها بإبراز مدحها في مظهر التعجب بقوله تعالى : (حَسُنَتْ) أي : ما أحسنها (مُسْتَقَرًّا) أي : موضع استقرار (وَمُقاماً) أي : موضع إقامة وهذا مقابل ساءت ومثله في الإعراب.
ولما شرح سبحانه وتعالى صفات المتقين وأثنى عليهم من أجلها وشرح ثوابهم أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (قُلْ) أي : لكفار مكة (ما يَعْبَؤُا) أي : ما يصنع (بِكُمْ) أيها الكافرون من عبأت الجيش أو لا يعتد بكم (رَبِّي) أي : المحسن إليّ وإليكم برحمانيته المخصص لي بالإحسان برحيميته وإنما خص بالإضافة لاعترافه دونهم (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) أي : عبادتكم وما متضمنة لمعنى الاستفهام وهي في محل النصب وهي عبارة عن المصدر كأنه قيل : وأي عبء يعبأ بكم لو لا عبادتكم وطاعتكم إياه كما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات ، ٥٦] (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) بما أخبرتكم به حيث خالفتموه وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد ، وقال قوم : ما يعبأ ما يبالي بمغفرتكم ربي لو لا دعاؤكم معه آلهة وما يفعل بعذابكم لو لا شرككم كما قال تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) [النساء ، ١٤٧] لو لا دعاؤكم أي : نداؤكم في الشدائد كما قال تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت ، ٦٥] ، وقوله تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام ، ٤٢] ويجوز أن تكون ما نافية وجرى على ذلك الجلال المحلي (فَسَوْفَ) أي : فتسبب عن تكذيبكم أن يجازيكم على ذلك ولكنه مع قدرته واختياره وقوته لا يعاجلكم بل (يَكُونُ) جزاء هذا التكذيب عند انقضاء ما ضربه لكم من الآجال (لِزاماً) أي : لازما يحيق بكم لا محالة ، فاعتدوا وتهيؤوا لذلك اليوم فكل آت قريب وكل بعيد عنكم قريب عنده ، وعن مجاهد : هو القتل يوم بدر وإنه لوزم بين القتلى لزاما قتل منهم تسعون وأسر منهم سبعون ، وعن ابن مسعود : خمس قد مضين الدخان والقمر والروم والبطشة واللزام ، وما رواه البيضاوي تبعا للزمخشري عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أن «من قرأ سورة الفرقان لقي الله وهو مؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأدخل الجنة بغير حساب» (١) حديث موضوع والله أعلم.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٠٤.