٤٥] ذكر حالهم معه من الاحترام له صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : ادعوا الإيمان صدقوا دعواكم فيه بأن (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ) أي : الذي تأتيه الأنباء من علام الغيوب مما فيه رفعته في حال من الأحوال أصلا (إِلَّا) في حال (أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) أي : ممن له الإذن في بيوته صلىاللهعليهوسلم منه ، أو ممن يأذن له في الدخول بالدعاء (إِلى طَعامٍ) أي : أكله حال كونكم (غَيْرَ ناظِرِينَ) أي : منتظرين (إِناهُ) أي : نضجه وهو مصدر أنى يأني ، وقرأ هشام وحمزة والكسائي بالإمالة وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح.
ولما كان هذا الدخول بالإذن مطلقا وكان يراد تقييده قال تعالى : (وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ) أي : ممن له الدعوة (فَادْخُلُوا) أي : لأجل ما دعاكم له ثم تسبب عنه قوله تعالى : (فَإِذا طَعِمْتُمْ) أي : أكلتم طعاما أو شربتم شرابا (فَانْتَشِرُوا) أي : اذهبوا حيث شئتم في الحال ولا تمكثوا بعد الأكل أو الشرب لا مستريحين لقرار الطعام (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) أي : طالبين الأنس لأجله.
فائدة : قال الحسن : حسبك بالثقلاء أن الله لم يتجوز في أمورهم ، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : حسبك بالثقلاء أن الله تعالى لم يحتملهم.
ثم علل ذلك بقوله تعالى مصوبا الخطاب إلى جميعهم معظما له بأداة البعد (إِنَّ ذلِكُمْ) أي : الأمر الشديد وهو المكث بعد الفراغ (كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ) أي : الذي هيأناه لسماع ما ننبئه به مما يكون سبب شرفكم وعلوكم في الدارين ، فاحذروا أن تشغلوه عن شيء منه ، ثم تسبب عن ذلك المانع له من مواجهتهم له بما يزيد أذاه بقوله تعالى : (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) أي : بأن يأمركم بالانصراف (وَاللهُ) أي : الذي له جميع الأمر (لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) أي : لا يفعل فعل المستحيي فيؤدّيه ذلك إلى ترك الأمر به.
تنبيه : قال أكثر المفسرين : نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب حين بنى بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما روى ابن شهاب قال : أخبرني أنس بن مالك : «أنه كان ابن عشر سنين فقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة قال : فكانت أمهاتي توطنني على خدمة النبي صلىاللهعليهوسلم فخدمته عشر سنين وتوفي وأنا ابن عشرين سنة ، فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل ، وكان أول ما أنزل في بناء رسول الله صلىاللهعليهوسلم بزينب بنت جحش أصبح النبي صلىاللهعليهوسلم بها عروسا فدعا القوم وأصابوا من الطعام ثم خرجوا ، وبقي رهط منهم عند النبي صلىاللهعليهوسلم فأطالوا المكث فقام النبي صلىاللهعليهوسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلىاللهعليهوسلم ومشيت حتى جاء عتبة حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها ، ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يخرجوا فرجع النبي صلىاللهعليهوسلم ورجعت معه حتى إذا بلغ حجرة عائشة فظن أنهم قد خرجوا ، فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلىاللهعليهوسلم بيني وبينه الستر ونزلت آية الحجاب ، وقال أبو عثمان : واسمه الجعد عن أنس قال : فدخل يعني رسول الله صلىاللهعليهوسلم البيت وأرخى الستر وإني لفي الحجرة وهو يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) إلى قوله تعالى (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ)(١).
وروي عن ابن عباس : «أنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتأذى بهم
__________________
(١) انظر البخاري في تفسير سورة ٣٤ ، في الترجمة.