فينظر الرجل من الحرة الوجه والكفين ، ومن الأمة ما عدا ما بين السرة والركبة ، واحتج لذلك بقوله صلىاللهعليهوسلم للمغيرة وقد خطب امرأة : «انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما أن تدوم المودة والإلفة» (١) رواه الحاكم وصححه. وقوله تعالى : (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) استثناء من النساء ؛ لأنه يتناول الأزواج والإماء أي : فتحل لك ، وقد ملك بعدهن مارية وولدت له إبراهيم ومات ، واختلفوا هل أبيح له النساء من بعد؟ قالت عائشة : «ما مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أحل الله له النساء» (٢) أي : فنسخ ذلك ، وأبيح له أن ينكح أكثر منهن بآية (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) ، فإن قيل : هذه الآية متقدمة وشرط الناسخ أن يكون متأخرا؟ أجيب : بأنها مؤخرة في النزول مقدمة في التلاوة ، وهذا أصح الأقوال.
وقال أنس : مات على التحريم ، وقال عكرمة والضحاك : معنى الآية لا تحل لك النساء بعد التي أحللنا لك بالصفة التي تقدم ذكرها ، وقيل لأبي بن كعب : لو مات نساء النبي صلىاللهعليهوسلم أكان يحل له أن يتزوج فقال : وما يمنعه من ذلك! قيل : قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) قال : إنما أحل الله تعالى له ضربا من النساء فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) [الأحزاب : ٥٠] ثم قال (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) قال أبو صالح : أمر أن لا يتزوج أعرابية ولا غريبة ويتزوج من نساء قومه من بنات العم والعمة ، والخال والخالة إن شاء ثلثمائة وقال مجاهد : معناه لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات ولا أن تبدل بهن ، يقول : ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من اليهود والنصارى. وقال ابن زيد في قوله تعالى : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم يقول الرجل للرجل : بادلني بامرأتك وأبادلك بامرأتي تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي فأنزل الله تعالى : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) يعني : تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته إلا ما ملكت يمينك فلا بأس أن تبادل بجاريتك من شئت ، فأما الحرائر فلا.
روى عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : دخل عيينة بن حصن على النبي صلىاللهعليهوسلم بغير إذن ومعه عائشة فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا عيينة أين الاستئذان قال : يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مضر مذ أدركت ، ثم قال : من هذه الحميرة إلى جنبك فقال : هذه عائشة أم المؤمنين ، فقال عيينة : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن الله قد حرم ذلك ، فلما خرج قالت عائشة : من هذا يا رسول الله؟ قال : هذا أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه» (٣).
ولما أمر تعالى في هذه الآيات بأشياء ونهى عن أشياء ، وحد حدودا حذر من التهاون بشيء منها ولو بنوع تأويل بقوله تعالى : (وَكانَ اللهُ) أي : الذي لا شيء أعظم منه وهو المحيط بجميع صفات الكمال (عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) أي : حافظا عالما بكل شيء قادرا عليه فتحفظوا أمركم ولا تتخطوا ما حد لكم وهذا من أشد الأشياء وعيدا.
ولما ذكر حالة النبي صلىاللهعليهوسلم مع أمته في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) [الأحزاب:
__________________
(١) أخرجه الترمذي في النكاح حديث ١٠٨٧ ، والنسائي في النكاح حديث ٣٢٣٥ ، وابن ماجه في النكاح حديث ١٨٦٥ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ١٥٦.
(٢) أخرجه الترمذي حديث ٣٢١٦.
(٣) أخرجه الدارقطني في سننه ٣ / ٢١٨.