فنزلت الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ)(١) الآية.
وروى أبو يعلى الموصلي عن أنس قال : «بعثتني أم سليم برطب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوضعته بين يديه فأصاب منه ثم أخذ بيدي فخرجنا ، وكان حديث عهد بعرس زينب بنت جحش قال : فمر بنساء من نسائه وعندهن رجال يتحدثون فهنينه وهناه الناس فقالوا : الحمد لله أقر بعينك يا رسول الله فمضى حتى أتى عائشة فإذا عندها رجال قال : فكره ذلك ، وكان إذا كره الشيء عرف في وجهه قال : فأتيت أم سليم فأخبرتها فقال أبو طلحة : لئن كان كما قال ابنك ليحدثن أمر قال : فلما كان من العشي خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم فصعد المنبر ثم تلا هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا)(٢) الآية.
وروى البخاري وغيره عنه قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم عروسا بزينب فقالت لي أم سليم : لو أهديت للنبي صلىاللهعليهوسلم هدية فقلت لها : افعلي فعمدت إلى تمر وأقط وسمن فاتخذت حيسة في برمة وأرسلت بها معي إليه فقال لي : ضعها ثم أمرني فقال : ادع لي رجالا سماهم ، وادع لي من لقيت ففعلت الذي أمرني فرجعت فإذا البيت غاص بأهله» (٣) وفي رواية الترمذي أن الراوي قال : قلت لأنس : كم كانوا قال : زهاء ثلثمائة فرأيت النبي صلىاللهعليهوسلم وضع يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله تعالى ، ثم يدعو عشرة عشرة يأكلون منه ويقول لهم : اذكروا اسم الله تعالى وليأكل كل رجل مما يليه حتى تصدّعوا كلهم عنها ، قال الترمذي : فقال لي : يا أنس ارفع فرفعت فما أدري حين وضعت كانت أكثر أو حين رفعت فخرج معي من خرج وبقي قوم يتحدثون فنزلت.
ولما كان البيت يطلق على المرأة لملازمتها له عادة أعاد الضمير عليه مرادا به النساء استخداما فقال تعالى : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَ) أي : الأزواج (مَتاعاً) أي : شيئا من آلات البيت (فَسْئَلُوهُنَ) أي : ذلك المتاع كائنين وكائنات (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي : ستر يستركم عنهن ويسترهن عنكم ، وقرأ ابن كثير والكسائي بفتح السين ولا همزة بعدها والباقون بسكون السين وهمزة مفتوحة بعدها (ذلِكُمْ) أي : الأمر العالي الرتبة (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) أي : من وسواس الشيطان والريب لأن العين وزيرة القلب فإذا لم تر العين لم يشته القلب ، فأما إذا رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي ، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر وعدم الفتنة حينئذ أظهر. روى ابن شهاب عن عروة عن عائشة : «أن أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح فكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للنبي صلىاللهعليهوسلم : احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب ، فأنزل الله عزوجل الحجاب» (٤) ، وعن أنس قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاثة قلت : يا رسول الله لو اتخذت من
__________________
(١) انظر القرطبي في تفسيره ، تفسير الآية ٥٣ من سورة الأحزاب.
(٢) أخرجه أبو يعلى في مسنده ٦ / ٣٣٩.
(٣) أخرجه البخاري في النكاح باب ٦٤ ، وأبو داود في الأدب باب ٩٥ ، وأحمد في المسند ٣ / ٤٢٩ ، ٥ / ٤٢٦.
(٤) أخرجه البخاري في الوضوء حديث ١٤٧ ، ومسلم في السلام حديث ٢١٧٠.