ابن عادل : ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل انتهى.
ثم إن الله تعالى ذكر ما خص به نبيه صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (وَامْرَأَتَ) أي : حرة (مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُ) أي : الذي أعلينا قدره بما خصصناه به (أَنْ يَسْتَنْكِحَها) أي : يوجد نكاحه لها بجعلها من منكوحاته فتصير له بمجرد ذلك بلا مهر ولا ولي ولا شهود ، وخرج بالمؤمنة الكتابية فلا تحل له ؛ لأنها تكره صحبته ، ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة ولقوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦] ولا يجوز أن تكون المشركة أم المؤمنين ، ولخبر : «سألت ربي أن لا أزوج إلا من كان معي في الجنة فأعطاني» (١) رواه الحاكم وصحح إسناده ، وأما التسري بالكتابية فلا يحرم عليه ، قال الماوردي : لأنه صلىاللهعليهوسلم تسرى بريحانة وكانت يهودية من بني قريظة ، واستشكل بهذا تعليلهم السابق بأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة ، وأجيب : بأن القصد بالنكاح أصالة التوالد فاحتيط له ، وبأنه يلزم فيه أن تكون الزوجة المشركة أم المؤمنين بخلاف الملك فيها ، وخرج بالحرة الرقيقة وإن كانت مؤمنة لأن نكاحها معتبر بخوف العنت وهو معصوم ، وبفقدان مهر حرة ، ونكاحه غني عن المهر ابتداء وانتهاء ، وبرقّ الولد ومنصبه صلىاللهعليهوسلم منزه عنه.
تنبيه : في نصب امرأة وجهان : أحدهما : أنه عطف على مفعول أحللنا أي : وأحللنا لك امرأة موصوفة بهذين الشرطين. قال أبو البقاء : وقد رد هذا قوم وقالوا : أحللنا ماض ، وإن وهبت وهو صفة المرأة مستقبل ، فأحللنا في موضع جوابه ، وجواب الشرط لا يكون ماضيا في المعنى ، قال : وهذا ليس بصحيح لأن معنى الإحلال ههنا : الإعلام بالحل إذا وقع الفعل على ذلك كما تقول : أبحت لك أن تكلم فلانا إن سلم عليك.
والثاني : أنه نصب بمقدر تقديره ونحل لك امرأة ، وفي قول الله تعالى : (إِنْ وَهَبَتْ) إن أراد اعتراض الشرط على الشرط ، والثاني : هو قيد في الأول ولذلك تعربه حالا ؛ لأن الحال قيد ، ولهذا اشترط الفقهاء أن يتقدم الثاني على الأول في الوجود ، فلو قال لزوجته : إن أكلت إن ركبت فأنت طالق فلا بدّ أن يتقدم الركوب على الأكل وهذا لتحقيق الحالية والتقييد كما ذكر ، إذ لو لم يتقدم لخلا جزء من الأكل غير مقيد بركوب ، فلهذا اشترط تقدم الثاني ، ولكن يشترط أن لا يكون ثم قرينة تمنع من تقدم الثاني على الأول كقوله لأمرأة : إن تزوجتك إن طلقتك فعبدي حر لا يتصور هنا تقدم الطلاق على التزوج ، قال بعض المفسرين : وقد عرض لي إشكال على ما قاله الفقهاء بهذه الآية وذلك أن الشرط الثاني ههنا لا يمكن تقدمه في الوجود بالنسبة إلى الحكم بالنبي صلىاللهعليهوسلم لأنه لا يمكن عقلا ، وذلك أن المفسرين فسروا قوله تعالى : (إِنْ أَرادَ) بمعنى قبل الهبة لأن بالقبول منه صلىاللهعليهوسلم يتم نكاحه وهذا لا يتصور تقدمه على الهبة ؛ إذ القبول متأخر ، فإن العصمة كانت في تأخر إرادته عن هبتها.
ولما جاء أبو حيان إلى هنا جعل الشرط الثاني مقدما على الأول على القاعدة العامة ، ولم يستشكل شيئا مما ذكر. قال ذلك البعض. وقد عرضت هذا الإشكال على جماعة من أعيان زماننا فاعترفوا به ولم يظهر عنه جواب إلا ما قدمته من أنه ثم قرينة مانعة من ذلك كما مثلته آنفا.
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٣٧ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٤١٤٧ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ١٧.