للتراخي حتى لو قال لأجنبية : إذا نكحتك فأنت طالق ، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق فنكح لا يقع الطلاق. وهو قول علي وابن مسعود وجابر ومعاذ وعائشة رضي الله تعالى عنهم ، وبه قال أهل العلم : منهم الشافعي وأحمد رضي الله تعالى عنهما. وروي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال : يقع الطلاق ، وهو قول إبراهيم النخعي وأصحاب الرأي : وقال ربيعة ومالك والأوزاعي : إن عيّن امرأة يقع وإن عمم فلا يقع.
وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : كذبوا على ابن مسعود رضي الله عنه ، إن كان قالها فزلة من عالم في الرجل يقول : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، يقول الله تعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن. وروى عطاء عن جابر : لا طلاق قبل النكاح وقوله تعالى : (فَمَتِّعُوهُنَ) أي : أعطوهن ما يستمتعن به محله كما قال ابن عباس رضي الله عنه : إذا لم يكن سمى لها صداقا وإلا فلها نصف الصداق ولا متعة لها ، وقال قتادة : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) [البقرة : ٢٣٧] أي : فلا متعة لها مع وجوب نصف الفرض.
واختلف في المتعة هل هي واجبة ، أو مندوبة؟ وهي عندنا : واجبة بشروط وقد تقدم ، والكلام عليها عند قوله تعالى : (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَ) وعند بعض الأئمة أنها مندوبة ، وقال بعضهم : هي مندوبة عند استحقاقها نصف المهر ، واجبة عند عدمه ، وذهب بعضهم إلى أنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية (وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) أي : خلوا سبيلهن بالمعروف من غير ضرار ، وليس لكم عليهن عدة ، وقيل : السراح الجميل أن لا يطالب بما دفعه إليها بأن يخلي لها جميع المهر.
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) أي : مهورهن ؛ لأن المهر أجر على البضع بيان لإيثار الأفضل له لا لتوقف الحل عليه ، وليفيد إحلال المملوكة بكونها مسببة بقوله تعالى : (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ) أي : الذي له الأمر كله (عَلَيْكَ) مثل صفية بنت حيي النضيرية ، وريحانة القرظية ، وجويرية بنت الحارث الخزاعية ، مما كن في أيدي الكفار ، وتقييد الأقارب بكونهن مهاجرات معه في قوله تعالى (وَبَناتِ عَمِّكَ) أي : الشقيق وغيره (وَبَناتِ عَمَّاتِكَ) أي : نساء قريش.
ولما بدأ بالعمومة لشرفها أتبعها قوله تعالى : (وَبَناتِ خالِكَ) جاريا في الإفراد والجمع على ذلك النحو (وَبَناتِ خالاتِكَ) من نساء بني زهرة ، وقال البقاعي : ويمكن في ذلك احتباك عجيب وهو بنات عمك ، وبنات أعمامك ، وبنات عماتك ، وبنات عمتك ، وبنات خالك ، وبنات أخوالك ، وبنات خالتك انتهى. وقوله تعالى : (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) يحتمل تقييد الحل بذلك في حقه خاصة.
ويعضده ما روى الترمذي والحاكم عن أم هانئ بنت أبي طالب أنها قالت في خطبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فاعتذرت إليه فعذرني ثم أنزل الله تعالى (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) الآية فلم أكن لأحل له لأني لم أهاجر ، كنت من الطلقاء أي : الأسراء الذين أطلقوا من الأسر ، وخلى سبيلهم» (١) قال
__________________
(١) أخرجه الترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢١٤.