ولما كان ربما فهم أن غير النبي صلىاللهعليهوسلم يشاركه في هذا المعنى قال الله منبها للخصوصية : (خالِصَةً لَكَ) وزاد المعنى بيانا بقوله تعالى : (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : من الأنبياء وغيرهم.
تنبيهات : الأول : في إعراب خالصة وفيه أوجه : أحدها : أنه منصوب على الحال من فاعل وهبت أي : حالة كونها خالصة لك دون غيرك. ثانيها : أنه نعت مصدر مقدّر أي : هبة خالصة فنصبه بوهبت. ثالثها : أنه حال من امرأة ؛ لأنها وصفت فتخصصت ، وهو بمعنى الأول ، وإليه ذهب الزجاج ، وقيل غير ذلك. والمعنى : أنا أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق.
التنبيه الثاني : في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة وفيه خلاف : فقال سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء : لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج ، وبه قال مالك وربيعة والشافعي. ومعنى الآية : أن إباحة الوطء بالهبة وحصول التزويج بلفظها من خواصه صلىاللهعليهوسلم وقال النخعي وأبو حنيفة وأهل الكوفة : ينعقد بلفظ الهبة والتمليك. وأن معنى الآية : أن تلك المرأة صارت خالصة لك زوجة من أمهات المؤمنين لا تحل لغيرك أبدا بالتزويج ، وأجيب : بأن هذا التخصيص بالواهبة لا فائدة فيه ، فإن أزواجه صلىاللهعليهوسلم كلهن خالصات له ، وما مر فللتخصيص فائدة.
التنبيه الثالث : في التي وهبت نفسها للنبي صلىاللهعليهوسلم هل كانت عنده امرأة منهن؟ فقال عبد الله بن عباس ومجاهد : لم يكن عند النبي صلىاللهعليهوسلم امرأة وهبت نفسها منه ، ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين وقوله تعالى (وَهَبَتْ نَفْسَها) على طريق الشرط والجزاء ، وقال غيرهما : بل كانت موهوبة وهو ظاهر الآية ، واختلفوا فيها : فقال الشعبي : هي زينب بنت خزيمة الهلالية يقال لها : أم المساكين ، وقال قتادة : هي ميمونة بنت الحارث ، وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل : هي أم شريك بنت جابر من بني أسد ، وقال عروة بن الزبير : هي خولة بنت حكيم من بني سليم.
التنبيه الرابع : في ذكر شيء من خصائصه صلىاللهعليهوسلم ، وقد ذكرت منها أشياء كثيرة ينشرح الصدر بها في شرح التنبيه فلا أطيل بذكرها هنا ، ولكن أذكر منها طرفا يسيرا تبركا ببركة صاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام ، فإن ذكرها مستحب. قال النووي في روضته : ولا يبعد القول بوجوبها لئلا يرى الجاهل بعض الخصائص في الخبر الصحيح فيعمل به أخذا بأصل التأسي ، فوجب بيانها لتعرف وهي أربعة أنواع :
أحدها الواجبات وهي أشياء كثيرة : منها الضحى ، والوتر ، والأضحية ، وفي الحديث ما يدل على أن الواجب أقل الضحى ، وقياسه أن الوتر كذلك. ومنها السواك لكل صلاة ، والمشاورة لذوي الأحلام في الأمر ، وتخيير نسائه بين مفارقته طلبا للدنيا واختياره طلبا للآخرة ، ولا يشترط الجواب له منهن فورا ، فلو اختارته واحدة لم يحرم عليه طلاقها أو كرهته توقفت الفرقة على الطلاق ، وليس قولها : اخترت نفسي بطلاق كما مرت الإشارة إليه ، وله تزوجها بعد الفراق.
النوع الثاني : المحرمات : وهي أشياء كثيرة منها الزكاة والصدقة وتعلم الخط والشعر ومد العين إلى متاع الدنيا. وخائنة الأعين وهي : الإيماء بما يظهر خلافه دون الخديعة في الحرب ، وإمساك من كرهت نكاحه. ومنها نكاح كتابية لا للتسري بها كما مر ، ولا يحرم عليه أكل الثوم ونحوه ولا الأكل متكئا.
النوع الثالث : التخفيفات والمباحات : وهي كثيرة جدا منها : تزويج من شاء من النساء لمن شاء ولو لنفسه بغير إذن من المرأة ووليها متوليا للطرفين ، وزوجه الله تعالى ، وأبيح له الوصال