فأنكحها صلىاللهعليهوسلم زيدا ، فدخل بها وساق إليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشرة دنانير وستين درهما ، وخمارا ودرعا وإزارا وملحفة ، وخمسين مدا من الطعام ، وثلاثين صاعا من تمر. ومكثت عنده حينا. ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتى زيدا ذات يوم لحاجة ، فأبصر زينب قائمة في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش ، فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال : سبحان الله مقلب القلوب وانصرف ، فلما جاء زيد ذكرت ذلك له ففطن زيد ، فألقي في نفس زيد كراهتها في الوقت ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إني أريد أن أفارق صاحبتي قال : مالك أرابك منها شيء؟ قال : لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرا ، ولكنها تتعاظم عليّ لشرفها ، وتؤذيني بلسانها ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : أمسك عليك زوجك يعني زينب بنت جحش واتق الله في أمرها فأنزل الله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ) أي : الملك الذي له كل الكمال (عَلَيْهِ) وتولى نبيه عليه الصلاة والسلام إياه» ، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بالإظهار والباقون بالإدغام.
ثم بين تعالى منزلته من النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) أي : بالعتق والتبني حيث استشارك في فراق زوجته التي أخبرك الله تعالى أنه يفارقها وتصير زوجتك (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) أي : زينب رضي الله عنها (وَاتَّقِ اللهَ) الذي له جميع العظمة في جميع أمرك (وَتُخْفِي) أي : والحال أنك تخفي أي : تقول قولا مخفيا (ما فِي نَفْسِكَ) أي : ما أخبرك الله من أنها ستصير إحدى زوجاتك عند طلاق زيد (مَا اللهُ مُبْدِيهِ) أي : مظهره بحمل زيد على تطليقها ، وإن أمرته بإمساكها وتزويجك بها وأمرك بالدخول عليها ، وهذا دليل على أنه ما أخفى غير ما أعلمه الله تعالى من أنها ستصير زوجته عند طلاق زيد ؛ لأن الله تعالى ما أبدى غير ذلك ، ولو أخفى غيره لأبداه سبحانه ؛ لأنه لا يبدل قوله ، وقول ابن عباس كان في قلبه حبها بعيد ، وكذا قول قتادة : ودّ لو أنه لو طلقها زيد ، وكذا قول غيرهما : كان في قلبه لو فارقها زيد تزوجها.
ولما ذكر تعالى إخفاءه ذلك ذكر علته بقوله تعالى : عاطفا على تخفي (وَتَخْشَى النَّاسَ) أي : من أن تخبر بما أخبر الله تعالى به فيصوبوا إليك مرجمات الظنون لا سيما اليهود والمنافقون ، وقال ابن عباس والحسن : تستحييهم ، وقيل : تخاف لأئمة الناس أن يقولوا : أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها (وَاللهُ) أي : والحال أن الذي لا شيء أعظم منه (أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) أي : وحده ولا تجمع خشية الناس مع خشيته في أن تؤخر شيئا أخبرك به حتى يأتيك فيه أمر. قال عمر وابن مسعود وعائشة : ما نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم آية هي أشد عليه من هذه ، وروي عن مسروق قال : قالت عائشة : «لو كتم النبي صلىاللهعليهوسلم شيئا مما أوحي إليه لكتم هذه الآية (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ)(١).
ويؤيد ما مر ما روى سفيان بن عيينة عن علي عن زيد بن جدعان قال : سألني علي ابن الحسين زين العابدين ما يقول الحسن في قوله تعالى : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) قال : قلت يقول لما جاء زيد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم قال : يا رسول الله إني أريد أن أطلقها فقال له : «أمسك عليه زوجك» فقال علي بن الحسين : ليس كذلك ؛ لأن الله
__________________
(١) أخرجه البخاري في التوحيد حديث ٧٤٢٠ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٧٧ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢١٢.