الله عزوجل هذه الآية. وقيل : لما نزل في نساء النبي صلىاللهعليهوسلم ما نزل قال نساء المسلمين : فما نزل فينا شيء فنزلت.
تنبيه : عطف الإناث على الذكور لاختلاف جنسهما ، والعطف فيه ضروري لاختلافهما ذاتا ، وعطف الزوجين وهو مجموع المؤمنين والمؤمنات على الزوجين ، وهو مجموع المسلمين والمسلمات لتغاير وصفيهما. وليس العطف فيه بضروري بخلافه في الأول ؛ لأن اختلاف الجنس أشد من اختلاف الصفة ، وفائدة العطف عند تغاير الأوصاف الدلالة على أن أعداد المعد من المغفرة والأجر العظيم أي : تهيئته للمذكورين للجمع بين هذه الصفات ، فصار المعنى : أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات العشر أعد الله تعالى لهم مغفرة وأجرا عظيما.
وقوله تعالى : (وَما كانَ) أي : وما صح (لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) أي : إذا قضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذكر الله تعالى لتعظيم أمره ، والإشعار بأنه قضاء الله تعالى. نزلت في زينب بنت جحش الأسدية وأخيها عبد الله بن جحش ، وأمها أمية بنت عبد المطلب عمة النبي صلىاللهعليهوسلم : «لما خطب النبي صلىاللهعليهوسلم زينب على مولاه زيد بن حارثة ، وكان اشترى زيدا في الجاهلية بعكاظ فأعتقه وتبناه ، فلما خطب النبي صلىاللهعليهوسلم زينب رضيت وظنت أنه يخطبها لنفسه ، فلما علمت أنه يخطبها لزيد بن حارثة أبت وقالت : أنا ابنة عمتك يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي ، وكانت بيضاء جميلة فيها حدة ، وكذلك كره أخوها» (١) ذلك رواه الدار قطني بسند ضعيف ، وقيل : في أم كلثوم بنت عقبة وهبت نفسها للنبي صلىاللهعليهوسلم فزوجها من زيد (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) أي : أن يختاروا من أمرهم شيئا ، بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعا لاختيار الله تعالى ولرسوله صلىاللهعليهوسلم.
تنبيه : الخيرة : مصدر من تخير كالطيرة من تطير على غير قياس ، وجمع الضمير في قوله تعالى : (لَهُمُ) وفي قوله تعالى : (مِنْ أَمْرِهِمْ) لعموم مؤمن ومؤمنة من حيث إنها في سياق النفي ، ويجوز أن يكون الضمير في من أمرهم لله تعالى ولرسوله صلىاللهعليهوسلم وجمع للتعظيم كما جرى عليه البيضاوي ، وقرأ أن يكون الكوفيون وهشام بالياء التحتية والباقون بالفوقية ، ولأنه صلىاللهعليهوسلم لا ينطق عن الهوى ، ومن عصاه فقد عصى الله تعالى كما قال تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ) أي : الذي لا أمر لأحد معه (وَرَسُولُهُ) أي : الذي معصيته معصية الله تعالى لكونه بينه وبين الخلق في بيان ما أرسل به إليهم. وقوله تعالى : (فَقَدْ ضَلَ) قرأه قالون وابن كثير وعاصم بالإظهار ، والباقون بالإدغام وزاد ذلك بقوله تعالى : (ضَلالاً مُبِيناً) أي : فقد أخطأ خطأ ظاهرا لا خفاء فيه ، فالواجب على كل أحد أن يكون معه صلىاللهعليهوسلم في كل ما يختاره ، وإن كان فيه أعظم المشقات عليه تخلقا. يقول الشاعر (٢) :
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي |
|
متأخر عنه ولا متقدم |
وأهنتني فأهنت نفسي عامدا |
|
ما من يهون عليك ممن يكرم |
فلما نزلت هذه الآية رضيت زينب بذلك وجعلت أمرها بيد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك أخوها
__________________
(١) أخرجه الدارقطني في سننه ٣ / ٣٠١.
(٢) البيتان لم أجدهما في المصادر والمراجع التي بين يدي.