تعالى قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه ، وأن زيدا سيطلقها ، فلما جاء زيد وقال : إني أريد أن أطلقها قال له : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) فعاتبه الله تعالى وقال : «لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك» وهذا هو اللائق والأليق بحال الأنبياء عليهمالسلام ، وهو مطابق للتلاوة لأن الله تعالى أعلم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) أي : حاجة من زواجها والدخول بها ، وذلك بانقضاء عدتها منه ؛ لأن به يعرف أنه لا حاجة له فيها ، وأنه قد تقاصرت عنها همته وإلا راجعها (زَوَّجْناكَها) أي : ولم نحوجك إلى ولي من الخلق يعقد لك عليها تشريفا لك ولها بما لنا من العظمة التي خرقنا بها عوائد الخلق حتى أذعن لذلك كل من علم به ، وسرت به جميع النفوس.
ولم يقدر منافق ولا غيره على الخوض في ذلك ببنت شفة مما يوهنه ويؤثر فيه ، فلو كان الذي أضمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه فلا يظهره ، فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله تعالى من أنها ستكون زوجة له. وإنما أخفاه استحياء أن يقول لزيد : إن التي تحتك وفي نكاحك ستكون امرأتي.
قال البغوي : وهذا هو الأولى والأليق وإن كان الآخر وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها لا يقدح في حال الأنبياء عليهمالسلام ؛ لأن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه المأثم ؛ لأن الود وميل النفس من طبع البشر ، وقوله : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ) أمر بالمعروف وهو خشية الإثم فيه وقوله : (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) لم يرد به أنه لم يكن يخشى الله فيما سبق فإنه عليه الصلاة والسلام قال : «أنا أخشاكم لله وأتقاكم له» (١) ولكن المعنى : الله أحق أن تخشاه وحده ولا تخشى أحدا معه ، فأنت تخشاه وتخشى الناس أيضا. ولكنه لما ذكر الخشية من الناس ذكر أن الله أحق بالخشية في عموم الأحوال وفي جميع الأشياء انتهى.
وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجة المتبنى تحل بعد الدخول بها إذا طلقت وانقضت عدتها ، روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال : «لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لزيد : اذهب فاذكرها علي قال : فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال : فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكرها ، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت : يا زينب أرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يذكرك قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن.
وجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدخل عليها بغير إذن قال : ولقد رأيتنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أطعمنا الخبز واللحم حتى امتد النهار ، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم واتبعته ، فجعل يتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقلن : يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ قال : فما أدري ، أنا أخبرته أن القوم خرجوا أو أخبرني قال : فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب» (٢).
وعن أنس رضي الله عنه قال : «ما أولم النبي صلىاللهعليهوسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب ،
__________________
(١) أخرجه البخاري في النكاح حديث ٥٠٦٣.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٧٩٣ ، ومسلم في النكاح حديث ١٤٢٨.