ولما كان بذل المال قد لا يكون مع الإيثار أتبعه ما يعين عليه بقوله تعالى : (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ) أي : فرضا ونفلا للإيثار بالقوت وغير ذلك.
ولما كان الصوم يكسر شهوة الفرج وقد يثيرها قال تعالى : (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) أي : عما لا يحل لهم. وحذف مفعول الحافظات لتقدم ما يدل عليه ، والتقدير : والحافظاتها ، وكذلك والذاكرات ، وحسن الحذف رؤوس الفواصل.
ولما كان حفظ الفرج وسائر الأعمال لا يكاد يوجد إلا بالذكر وهو الذي يكون عنده المراقبة الموصلة إلى المحاضرة المحققة للمشاهدة المحببة للفناء قال تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) أي : بقلوبهم وألسنتهم في كل حالة.
ومن علامات الإكثار من الذكر اللهج به عند الاستيقاظ من النوم ، وقال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا ، روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «سبق المفردون قالوا : وما المفردون قال : «الذاكرون الله تعالى كثيرا والذاكرات» (١) قال عطاء بن أبي رباح : من فوض أمره إلى الله عزوجل فهو داخل في قوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) ومن أقر بأن الله تعالى ربه ، ومحمدا صلىاللهعليهوسلم رسوله ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل في قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ومن أطاع الله تعالى في الفرض ، والرسول صلىاللهعليهوسلم في السنة فهو داخل في قوله تعالى : (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل في قوله تعالى : (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ) ومن صبر على الطاعات وعن المعصية وعلى الرزية فهو داخل في قوله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ). ومن صلى ولم يعرف من عن يمينه وعن يساره فهو داخل في تعالى : (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ) ومن صام في كل شهر أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو داخل في قوله تعالى : (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ) ومن حفظ فرجه عن الحرام فهو داخل في قوله تعالى : (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ) أي : الذي لا يقدر أحد أن يقدره حق قدره مع أنه لا يعاظمه شيء (لَهُمْ مَغْفِرَةً) أي : لما اقترفوه من الصغائر لأنها مكفرات بفعل الطاعات ، والآية عامة وفضل الله تعالى واسع.
ولما ذكر تعالى الفضل بالتجاوز أتبعه الفضل بالكرم والرحمة بقوله تعالى : (وَأَجْراً عَظِيماً) أي : على طاعتهم ، والآية وعد لهن ولأمثالهن بالإثابة على الطاعة والتدرع بهذه الخصال ، وروي أن سبب نزول هذه الآية : «أن أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم قلن : يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به؟ إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة! فأنزل الله تعالى هذه الآية».
روي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : هل نزل فينا شيء من القرآن قلن : لا فأتت النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : «يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار قال : ومم ذاك قالت : لأنهن لا يذكرن بخير كما تذكر الرجال» فأنزل
__________________
(١) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٦٧٦ ، والترمذي حديث ٣٥٩٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٢٣ ، ٤١١.