إليهم وإني لأعم بنصيحتي كل من طوقني الله أمره ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من مات غاشا لرعيته لم ير ريح الجنة» (١) فكان فرضه لأزواج النبي صلىاللهعليهوسلم اثني عشر ألفا لكل واحدة ، وهي نحو ألف دينار في كل سنة ، وأعطى عائشة خمسة وعشرين ألفا لحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إياها ، فأبت أن تأخذ إلا ما تأخذه صواحباتها.
وروي عن برزة بنت رافع قالت : لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها ، فلما أدخل إليها قالت : غفر الله لعمر ، غيري من أخواتي أقوى على قسم هذا مني قالوا : هذا كله لك قالت : سبحان الله ثم قالت : صبوه واطرحوا عليه ثوبا ، ثم قالت لي : أدخلي يديك واقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من ذوي رحمها وأيتام لها ، فقسمته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب قالت برزة بنت رافع : نظر الله لك يا أم المؤمنين والله لقد كان لنا في هذا المال حق قالت : فلكم ما تحت الثوب قالت : فوجدنا تحته خمسمائة وثمانين درهما ، ثم رفعت يديها إلى السماء وقالت : اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا فماتت ، قال البقاعي : ذكر ذلك البلاذري في كتاب «فتوح البلاد» انتهى. وعن مقاتل قال : قالت أم سلمة بنت أبي أمية ، ونسيبة بنت كعب الأنصارية للنبي صلىاللهعليهوسلم : «ما بال ربنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء في شيء من كتابه نخشى أن لا يكون فيهن خير» فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ)(٢) أي : الداخلين في الإسلام المنقادين لحكم الله في القول والعمل.
ولما كان الإسلام مع كونه أكمل الأوصاف وأعلاها يمكن أن يكون بالظاهر فقط أتبعه المحقق له وهو إسلام الباطن بالتصديق التام بغاية الإذعان فقال عاطفا له ولما بعده من الأوصاف التي يمكن اجتماعها بالواو للدلالة على تمكن الجامعين لهذه الأوصاف في كل وصف منها : (وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي : المصدقين بما يجب أن يصدق به.
ولما كان المؤمن المسلم قد لا يكون في أعماله مخلصا قال : (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) أي : المخلصين في إيمانهم وإسلامهم المداومين على الطاعة.
ولما كان القنوت قد يطلق على الإخلاص المقتضى للمداومة ، وقد يطلق على مطلق الطاعة قال : (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ) أي : في ذلك كله من قول وعمل.
ولما كان الصدق وهو إخلاص القول والعمل عن شوب يلحقه أو شيء يدنسه قد لا يكون دائما قال مشيرا إلى أن ما لا يكون دائما لا يكون صدقا في الواقع : (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ) أي : على الطاعات وعن المعاصي.
ولما كان الصبر قد يكون سجية دل على صرفه إلى الله بقوله تعالى : (وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ) أي : المتواضعين لله تعالى بقلوبهم وجوارحهم.
ولما كان الخشوع والخضوع والإخبات والسكون لا يصح مع توفير المال ، فإنه سكون إليه قال معلما : إنه إذ ذاك لا يكون على حقيقته (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ) بما وجب في أموالهم وبما استحب سرا وعلانية تصديقا لخشوعهم.
__________________
(١) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ١١٦٦١ ، بلفظ : «من مات غاشا لرعيته لم يرح رائحة الجنة».
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٣٠١ ، ٣٠٥.