والحسن والحسين فقال : هؤلاء أهل بيتي فقلت : يا رسول الله ما أنا من أهل البيت فقال بلى إن شاء الله» (١) وقال زيد بن أرقم : أهل بيته من حرم الصدقة بعده آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس ، قال الرازي : والأولى أن يقال لهم أولاده وأزواجه والحسن والحسين ، وعلي منهم لأنه كان من أهل بيته لمعاشرته بنت النبي صلىاللهعليهوسلم ولملازمته له.
ولما استعار للمعصية الرجس استعار للطاعة الطهر ترغيبا لأصحاب الطباع السليمة والعقول المستقيمة في الطاعة وتنفيرا لهم عن المعصية بقوله تعالى : (وَيُطَهِّرَكُمْ) أي : يفعل في طهركم الصيانة عن جميع القاذورات الحسية والمعنوية فعل المبالغ فيه ، وزاد ذلك عظما بالمصدر بقوله تعالى : (تَطْهِيراً) وعن ابن عباس قال : شهدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الصلاة رحمكم الله كل يوم خمس مرات (٢) ، ثم بين تعالى ما أنعم الله به عليهن من أن بيوتهن مهابط الوحي بقوله تعالى : (وَاذْكُرْنَ) أي : في أنفسكن ذكرا دائما ، واذكرنه لغيركن على جهة الوعظ والتعليم (ما يُتْلى) أي : يتابع ويوالى ذكره (فِي بُيُوتِكُنَ) أي : بواسطة النبي صلىاللهعليهوسلم الذي خيركن. وقوله تعالى : (مِنْ آياتِ اللهِ) أي : القرآن بيان للموصول فيتعلق بأعني ، ويجوز أن يكون حالا إما من الموصول ، وإما من عائده المقدر فيتعلق بمحذوف أيضا ، واختلف في قوله تعالى : (وَالْحِكْمَةِ) فقال قتادة : يعني السنة ، وقال مقاتل : أحكام القرآن ومواعظه (إِنَّ اللهَ) أي : الذي له جميع العظمة (كانَ) أي : ولم يزل (لَطِيفاً) أي : يوصل إلى المقاصد بلطائف الأضداد (خَبِيراً) أي : بجميع خلقه يعلم ما يسرون وما يعلنون لا تخفى عليه خافية ، فيعلم من يصلح لبيت النبي صلىاللهعليهوسلم ومن لا ، وما يصلح الناس دينا ودنيا ، وما لا يصلحهم. والطرق الموصلة لكل ما قضاه وقدره وإن كانت على غير ما يألفه الناس.
من انقطع إلى الله كفاه الله تعالى كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ، ولقد صدق الله تعالى وعده في لطفه وحقق بره في خبره بأن فتح على نبيه صلىاللهعليهوسلم خيبر ، فأفاض بها من رزقه الواسع.
ولما توفى نبيه صلىاللهعليهوسلم ليحميه من زهرة الحياة الدنيا فتح الفتوحات الكبار من بلاد فارس والروم ومصر وما بقي من اليمن ، فعم الفتح جميع الأقطار ، الشرق والغرب والجنوب والشمال ، ومكن أصحاب نبيه صلىاللهعليهوسلم من كنوز تلك البلاد وذخائر أولئك الملوك حتى صار الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يكيلون المال كيلا ، وزاد الأمر حتى دوّن عمر رضي الله تعالى عنه الدواوين. وفرض للناس عامة أرزاقهم حتى للرضعاء ، وكان أولا لا يفرض للمولود حتى يفطم ، فكانوا يستعجلون بالفطام فنادى مناديه لا تعجلوا أولادكم بالفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام ، وفاوت بين الناس في العطاء بحسب القرب من النبي صلىاللهعليهوسلم والبعد منه ، وبحسب السابقة في الإسلام والهجرة. ونزل الناس منازلهم بحيث أرضى جميع الناس ، حتى قدم عليه خالد بن عرفطة فسأله عما وراءه فقال : تركتهم يسألون الله تعالى أن يزيد في عمرك من أعمارهم ، قال عمر : إنما هو حقهم ، وأنا أسعى بأدائه
__________________
(١) أخرجه بلفظ : «أنت على مكانك وأنت على خير» الترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢٠٥.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢٠٦.