في الآخرة فالصدق سبب وإن كان فضلا منه لأنه الموفق له.
تنبيه : في لام ليجزي وجهان : أحدهما : أنها لام العلة ، والثاني : أنها لام الصيرورة وفيما تتعلق به أوجه : إما بصدقوا ، وإما بما زادهم ، وإما بما بدلوا ، وعلى هذا جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوا بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم لأن كلا الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب ، فكأنهما استويا في طلبهما والسعي لتحصيلهما (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ) أي : الذين أخفوا الكفر وأظهروا الإسلام في الدارين بكذبهم في دعواهم الإيمان المقتضي لبيع النفس والمال (إِنْ شاءَ) بأن يميتهم على نفاقهم (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) إن شاء بأن يهديهم إلى التوبة فيتوبوا فالكل بإرادته.
تنبيه : جواب إن شاء مقدر ، وكذا مفعول شاء أي : إن شاء تعذيبهم عذبهم ، وقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المد والقصر ، وسهل ورش وقنبل الثانية وأبدلاها أيضا حرف مد وحققها الباقون وفي الابتداء بالثانية الجميع بالتحقيق.
ولما كانت توبة المنافقين مستبعدة لما يرون من صلابتهم في الخداع وخبث سرائرهم قال معللا ذلك كله على وجه التأكيد : (إِنَّ اللهَ) أي : بما له من الجلال والجمال (كانَ) أزلا وأبدا (غَفُوراً) لمن تاب (رَحِيماً) بهم.
ثم بين تعالى بعض ما جزاهم الله تعالى بصدقهم بقوله تعالى : (وَرَدَّ اللهُ) أي : بما له من صفات الكمال (الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم من تحزب من العرب وغيرهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بلادهم عن المدينة ومضايقة المؤمنين حال كونهم (بِغَيْظِهِمْ) أي : متغيظين لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا ، بل تفرقوا عن غير طائل حال كونهم (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) لا من الدين ولا من الدنيا بل ذلا وندامة فهو حال ثانية ، أو حال من الحال الأولى فهي متداخلة (وَكَفَى اللهُ) أي : الذي له العزة والكبرياء (الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بما ألقى في قلوبهم من الداعية للانصراف بالريح والجنود من الملائكة وغيرهم ، منهم نعيم بن مسعود لما تقدم من الحيلة التي فعلها.
قال سعيد بن المسيب : لما كان يوم الأحزاب حصر النبي صلىاللهعليهوسلم بضع عشرة ليلة حتى خلص إلى كل امرئ منهم الكرب ، وحتى قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إنك إن تشأ لا تعبد» (١) ، فبينما هم على ذلك إذ جاء نعيم بن مسعود الأشجعي وكان يأمنه الفريقان جميعا فخذل بين الناس فانطلق الأحزاب منهزمين من غير قتال فذلك قوله تعالى : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ) أي : الذي له صفات الكمال أزلا وأبدا (قَوِيًّا) على إحداث ما يريد (عَزِيزاً) غالبا على كل شيء.
ولما أتم الله حال الأحزاب أتبعه حال من عاونوهم بقوله تعالى : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ) أي : عاونوا الأحزاب (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) وهم بنو قريظة ومن دخل معهم في حصنهم من بني النضير (مِنْ صَياصِيهِمْ) أي : حصونهم متعلق بأنزل ، ومن لابتداء الغاية والصياصي جمع صيصية وهي الحصون والقلاع والمعاقل ، ويقال : لكل ما يمتنع به ويتحصن فيه صيصية ، ومنه قيل لقرن الثور والظبي ولشوكة الديك صيصية ، عن سعيد بن جبير قال : كان يوم الخندق بالمدينة فجاء أبو
__________________
(١) أخرجه البخاري في المغازي حديث ٣٩٥٣ ، وأحمد في المسند ١ / ٣٢٩.