سفيان بن حرب ومن تبعه من قريش ، ومن تبعه من كنانة وعيينة بن حصن ، ومن تبعه من غطفان وطليحة ، ومن تبعه من بني أسد وبنو الأعور ، ومن تبعهم من بني سليم وقريظة ، كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد فنقضوا ذلك وظاهروا المشركين فأنزل الله تعالى فيهم : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ).
وكانت غزوة بني قريظة في آخر ذي القعدة سنة خمس من الهجرة ، وعن موسى بن عقبة أنها في سنة أربع قال العلماء بالسير : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أصبح في الليلة التي انصرف الأحزاب راجعين إلى بلادهم انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون عن الخندق إلى المدينة ووضعوا السلاح فلما كان الظهر أتى جبريل عليهالسلام إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على فرسه الحيزوم والغبار على وجه الفرس والسرج فقال : ما هذا يا جبريل قال : من متابعة قريش فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمسح الغبار عن وجه الفرس وعن سرجه فقال : يا رسول الله إن الملائكة لم تضع السلاح إن الله تعالى يأمرك بالسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم ، فإن الله دقهم دق البيض على الصفا وإنهم لك طعمة فأذن في الناس أن من كان سامعا مطيعا فلا يصلي العصر إلا في بني قريظة وقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم علي بن أبي طالب برايته إليهم وابتدرها الناس.
فسار عليّ حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فرجع حتى لقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالطريق فقال : يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخباث قال : أظنك سمعت فيّ منهم أذى قال : نعم يا رسول الله قال : لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا ، فلما دنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حصنهم قال : يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمة قالوا : يا أبا القاسم ما كنت جهولا ، ومر رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أصحابه قبل أن يصل إلى بني قريظة قال : هل مر بكم أحد قالوا : مر بنا دحية بن خليفة على بغلة شهباء عليها قطيفة من ديباج قال صلىاللهعليهوسلم : «ذاك جبريل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف في قلوبهم الرعب» (١).
ولما أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها فتلاحق به الناس فأتاه رجال من بعد صلاة العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة» (٢) فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله تعالى بذلك ، ولا عنفهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده ، فلما أيقنوا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد : يا معشر يهود إنه قد نزل بكم من الأمر ما نزل ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم قالوا : وما هي قال : نبايع هذا الرجل ونصدقه فو الله لقد تبين أنه نبي مرسل ، وأنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنوا على دياركم وأبنائكم وأموالكم ونسائكم.
قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره ، قال : فإذا أبيتم هذا فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف ولم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وأصحابه ، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا أحدا ولا شيئا
__________________
(١) أخرجه الطبري في تفسيره ٢١ / ٩٥ ، ٩٦ ، وابن كثير في البداية والنهاية ١ / ١٦٦.
(٢) أخرجه البخاري في المغازي حديث ٤١١٩ ، ومسلم في الجهاد حديث ١٧٧٠.