ضربة بالسيف ، أو طعنة برمح أو رمية بسهم فوجدناه قد قتل ، وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس : كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه» (١).
(وَمِنْهُمْ) أي : الصادقين (مَنْ يَنْتَظِرُ) أي : السعادة كعثمان وطلحة (وَما بَدَّلُوا) أي : العهد ولا غيروه (تَبْدِيلاً) أي : شيئا من التبديل. روي أن ممن لم يقتل في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ثبت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد ، وفعل ما لم يفعله غيره لزم النبي صلىاللهعليهوسلم فلم يفارقه وذبّ عنه ووقاه بيده حتى شلت إصبعه قال إسماعيل بن قيس : رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلىاللهعليهوسلم يوم أحد ، وعن معاوية سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «طلحة ممن قضى نحبه» (٢) ، وعن طلحة لما رجع النبي صلىاللهعليهوسلم من أحد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) الآية كلها فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله من هؤلاء فقال : «أيها السائل هذا منهم» (٣) ، وعنه أيضا : أن أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو؟ كانوا لا يجترؤن على مسألته يهابونه ويوقرونه ، فسأله الأعرابي فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم إنه طلع من باب المسجد فقال : أين السائل عمن قضى نحبه؟ قال الأعرابي : أنا فقال : «هذا ممن قضى نحبه» (٤) ، وهذا يقوي القول بأن المراد بالنحب بذل الجهد في الوفاء بالعهد ، وعن خباب بن الأرت قال : هاجرنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سبيل الله نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله ، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة ، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه منها ، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه منها فقال صلىاللهعليهوسلم : «ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من الأذخر» (٥) قال : ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهديها أينعت أي : أدركت ونضجت له ثمرتها ويهديها أي : يجنيها ، وهذا كناية عما فتح الله تعالى لهم من الدنيا وعن زيد بن ثابت قال : «لما نسخنا المصحف من المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرؤها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم شهادته بشهادة رجلين من المؤمنين (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) فألحقتها في سورتها في المصحف» (٦).
(لِيَجْزِيَ اللهُ) أي : الذي يريد إظهار جميع صفاته يوم البعث للخاص والعام ظهورا تاما (الصَّادِقِينَ) أي : في الوفاء بالعهد وادعاء أنهم آمنوا به (بِصِدْقِهِمْ) أي : فيعلي أمرهم وينعمهم
__________________
(١) أخرجه مسلم في الإمارة حديث ١٩٠٣ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢٠٠.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢٠٢ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ١٢٧.
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره ٢١ / ٩٤ ، وابن كثير في تفسيره ٦ / ٣٩٤ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ١٠ / ٣٩٧ ، والطبراني في المعجم الكبير ١ / ٧٦.
(٤) أخرجه الترمذي حديث ٢٣٠٣ ، ٣٢٠٣ ، ٣٧٤٢ ، وابن ماجه حديث ١٢٦.
(٥) أخرجه البخاري في الجنائز حديث ١٢٧٦ ، ومسلم في الجنائز حديث ٩٤٠ ، والترمذي في المناقب حديث ٣٨٥٣.
(٦) أخرجه البخاري في المغازي حديث ٤٠٤٩ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣١٠٤.