الْمُؤْمِنُونَ) أي : الكاملون في الإيمان (الْأَحْزابَ) أي : الذين أدهشت رؤيتهم القلوب (قالُوا) أي : مع ما حصل لهم من الزلزال وتعاظم الأهوال (هذا) أي : الذي نراه من الهول (ما وَعَدَنَا اللهُ) أي : الذي له الأمر كله من تصديق دعوانا الإيمان بالبلاء والامتحان (وَرَسُولُهُ) المبلغ بنحو قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة : ٢١٤] (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) [آل عمران : ١٤٢] (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [العنكبوت : ٢] وأمثال ذلك. ثم قالوا في مقابلة قول المنافقين : ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا (وَصَدَقَ اللهُ) أي : الذي له صفات الكمال (وَرَسُولُهُ) أي : الذي كماله من كماله أي : ظهر صدقهما في عالم الشهادة في كل ما وعدا به من السراء والضراء كما رأينا ، وهما صادقان فيما غاب عنا مما وعدا به من نصر وغيره ، وإظهار الاسمين للتعظيم والتيمن بذكرهما. قال بعض المفسرين : ولو أعيدا مضمرين لجمع بين الباري تعالى واسم رسوله صلىاللهعليهوسلم فكان يقال : وصدقا ، وقد رد صلىاللهعليهوسلم على من جمعهما بقوله : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى ، وأنكر عليه بقوله : بئس خطيب القوم أنت. قل : ومن يعص الله ورسوله قصدا إلى تعظيم الله تعالى. وقيل : إنما رد عليه لأنه وقف على يعصهما ، واستشكل بعضهم الأول بقوله : «حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» (١) فقد جمع بينهما في ضمير واحد؟ وأجيب : بأنه صلىاللهعليهوسلم أعرف بقدر الله تعالى منا فليس لنا أن نقول كما يقول وقد يقال : إذا كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول ذلك فالله جل وعلا أولى ، وحينئذ فالقائل بأنه إنما رد عليه لأنه وقف على يعصهما أولى.
ولما كان هذا قولا يمكن أن يكون لسانيا فقط كقول المنافقين أكده لظن المنافقين ذلك بقوله تعالى : شاهدا لهم (وَما زادَهُمْ) أي : ما رأوه من أمرهم أو الرعب (إِلَّا إِيماناً) بالله ورسوله (وَتَسْلِيماً) بجميع جوارحهم في جميع القضاء والقدر.
ثم وصف الله تعالى بعض المؤمنين بقوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : المذكورين سابقا وغيرهم (رِجالٌ) أي : في غاية العظمة عندنا ثم وصفهم بقوله تعالى : (صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ) المحيط علما وقدرة (عَلَيْهِ) أي : أقاموا بما عاهدوا الله عليه ووفوا به (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي : نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر. والنحب : النذر استعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان وقيل : النحب الموت أيضا. قال قتادة : قضى نحبه أي : أجله. وقيل : قضى نحبه أي : بذل جهده في الوفاء بالعهد من قول العرب نحب فلان في سيره يومه وليلته أي : اجتهد ، وقيل قضى نحبه قتل يوم بدر أو يوم أحد.
روي أن أنسا قال : «غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال : يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ، ثم تقدم واستقبله سعد بن معاذ فقال : يا أبا عمرو إلى أين فقال : واها لريح الجنة أجدها دون أحد ، فقاتل حتى قتل. قال أنس بن مالك : فوجدنا في جسده بضعا وثمانين
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان حديث ١٦ ، ومسلم في الإيمان حديث ٤٣ ، والترمذي في الإيمان حديث ٢٦٢٤ ، والنسائي في الإيمان حديث ٤٩٨٧.