(أَعْمالَهُمْ) التي كانوا يأتونها مع المسلمين أي : فأظهر بطلانها ، وإذا لم تثبت لهم الأعمال فتبطل ، وقال قتادة : أبطل الله تعالى جهادهم (وَكانَ ذلِكَ) أي : الإحباط (عَلَى اللهِ) بما له من صفات العظمة (يَسِيراً) أي : هينا لتعلق الإرادة به وعدم ما يمنعه.
وقوله تعالى : (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) يجوز أن يكون مستأنفا أي : هم من الخوف بحيث أنهم لا يصدقون أن الأحزاب قد ذهبوا عنهم ، ويجوز أن يكون حالا من أحد الضمائر المتقدمة إذا صح المعنى بذلك ولو بعد العامل. قاله أبو البقاء.
والمعنى : أن هؤلاء المنافقين يحسبون الأحزاب يعني قريشا وغطفان واليهود لم يتفرقوا عن قتالهم من غاية الجبن عند ذهابهم كأنهم غائبون حيث لا يقاتلون كقوله تعالى (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) [الأحزاب : ٢٠] وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين والباقون بالكسر (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) بعدما ذهبوا كرة أخرى (يَوَدُّوا) أي : يتمنوا (لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) أي : كائنون في البادية بين الأعراب الذين هم عندهم في محل نقص وممن تكره مخالطته ، ثم ذكر حال فاعل بادون بقوله تعالى : (يَسْئَلُونَ) كل وقت (عَنْ أَنْبائِكُمْ) أي : أخباركم العظيمة مع الكفار وما آل إليه أمركم جريا على ما هم عليه من النفاق ليبقوا لهم عندكم وجها ، كأنهم مهتمون بكم يظهرون بذلك تحرقا على غيبتهم عن هذه الحرب (وَلَوْ) أي : والحال أنهم لو (كانُوا) هؤلاء المنافقون (فِيكُمْ) هذه الكرة ولم يرجعوا إلى المدينة ، وكان قتال (ما قاتَلُوا) معكم (إِلَّا قَلِيلاً) نفاقا كما فعلوا قبل ذهاب الأحزاب من حضورهم معكم تارة واستئذانهم في الرجوع إلى منازلهم أخرى.
ولما أخبر تعالى عنهم بهذه الأحوال التي هي غاية في الدناءة أقبل عليهم إقبالا يدلهم على تناهي الغضب بقوله تعالى مؤكدا محققا لأجل إنكارهم : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ) أيها الناس كافة الذين المنافقون في غمارهم (فِي رَسُولِ اللهِ) الذي جلاله من جلاله وكماله من كماله (أُسْوَةٌ) أي : قدوة (حَسَنَةٌ) أي : صالحة وهو المؤتسى به أي : المقتدى به ، كما تقول في البيضة : عشرون منّا حديدا أي : هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد ، أو أن فيه خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها ، كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد إذ كسر رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه ، وأوذي بضروب الأذى ، فواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك واستسنوا بسنته.
تنبيه : الأسوة اسم وضع موضع المصدر وهو الائتساء ، فالأسوة من الائتساء كالقدوة من الاقتداء وائتسى فلان بفلان أي : اقتدى به ، وقرأ عاصم بضم الهمزة والباقون بكسرها وهما لغتان : كالعدوة والعدوة ، والقدوة والقدوة وقوله تعالى : (لِمَنْ كانَ) أي : كونا كائنه جبلة له (يَرْجُوا اللهَ) أي : في جبلته أنه يجدد الرجاء مشمرا للذي لا عظيم في الحقيقة سواه ، فيؤمل إسعاده ويخشى إبعاده. تخصيص بعد التعميم للمؤمنين أي : أن الأسوة برسول الله صلىاللهعليهوسلم لمن كان يرجو الله. قال ابن عباس : يرجو ثواب الله ، وقال مقاتل : يخشى الله (وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) أي : يخشى يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال (وَذَكَرَ اللهَ) أي : الذي له صفات الكمال وقيده بقوله تعالى : (كَثِيراً) تحقيقا لما ذكر في معنى الرجاء الذي به الفلاح أو أن المراد به الدائم في حال السراء والضراء.
ولما بين تعالى حال المنافقين ذكر حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب بقوله تعالى : (وَلَمَّا رَأَ