اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) [البقرة : ٢٧٦] ولما ذكر ما زيادته نقص أتبعه ما نقصه زيادة بقوله (وَما آتَيْتُمْ) أي : أعطيتم (مِنْ زَكاةٍ) أي : صدقة ، وعبر عنها بذلك ليفيد الطهارة والزيادة أي : تطهرون بها أموالكم من الشبه ، وأبدانكم من موادّ الخبث ، وأخلاقكم من الغلّ والدنس.
ولما كان الإخلاص عزيزا أشار إلى عظمته بتكريره بقوله عزوجل (تُرِيدُونَ) أي : بها (وَجْهَ اللهِ) أي : عظمة الملك الأعلى ، فيعرفون من حقه ما يتلاشى عندهم كل ما سواه فيخلصون له (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) أي : ذوو الإضعاف الذين ضاعفوا أموالهم في الدنيا بسبب ذلك بالحفظ والبركة ، وفي الآخرة بكثرة الثواب عند الله من عشر أمثال إلى ما لا حصر له. ونظير المضعف المقوي والموسر لذي القوّة واليسار.
ولما وضح بهذا أنه لا زيادة إلا فيما يزيده الله ولا تخير إلا فيما يختاره الله بين تعالى ذلك بطريق لا أوضح منه بقوله تعالى : (اللهُ) أي : بعظيم جلاله لا غيره (الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي : أوجدكم على ما أنتم عليه من التقدير لا تملكون شيئا (ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) أي : ممن أشركتم بالله (مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ) مشيرا إلى علوّ رتبته بأداة البعد وخطاب الكل.
ولما كان الاستفهام الإنكاريّ التوبيخي في معنى النفي قال مؤكدا له مستغرقا لكل ما يمكن منه ولو قلّ جدّا : (مِنْ شَيْءٍ) أي : يستحق هذا الوصف الذي تطلقونه عليه.
ولما لزمهم قطعا أن يقولوا : لا وعزتك ما لهم ولا لأحد منهم فعل شيء من ذلك ، قال تعالى معرضا عنهم منزها لنفسه الشريفة : (سُبْحانَهُ) أي : تنزه تنزها لا يحيط به الوصف من أن يكون محتاجا إلى شريك (وَتَعالى) أي : علوّا لا تصل إليه العقول (عَمَّا يُشْرِكُونَ) في أن يفعلوا شيئا من ذلك.
تنبيه : يجوز في خبر الجلالة الكريمة وجهان : أظهرهما : أنه الموصول بعدها ، والثاني : أنه الجملة من قوله تعالى (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) والموصول صفة والراجع من ذلكم لأنه بمعنى من أفعاله ، ومن الأولى والثانية يفيدان شيوع الحكم في جنس الشركاء والأفعال ، والثالثة مزيدة لتعميم النفي ، فكل منهما مستقلة بتأكيد لتعجيز الشركاء ، وقرأ حمزة والكسائي بتاء الخطاب ، والباقون بالياء التحتية.
ولما بين لهم تعالى من حقارة شركائهم ما كان حقهم به أن يرجعوا فلم يفعلوا أتبعه ما أصابهم به على غير ما كان في أسلافهم عقوبة لهم على قبيح ما ارتكبوا استعظاما للتوبة بقوله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ) أي : النقص في جميع ما ينفع الخلق (فِي الْبَرِّ) بالقحط والخوف وقلة المطر ونحو ذلك (وَالْبَحْرِ) بالغرق وقلة الفوائد من الصيد ونحوه من كل ما كان يحصل منه. وقلة المطر كما تؤثر في البرّ تؤثر في البحر فتخلوا أجواف الأصداف من اللؤلؤ ، وذلك لأنّ الصدف إذا جاء المطر يرتفع على وجه الماء وينفتح فما وقع فيه من المطر صار لؤلؤا وقالوا : إذا انقطع القطر عميت دوابّ البحر ، وقيل : المراد بالبرّ البوادي والمفاوز ، وبالبحر المدائن والقرى التي على المياه الجارية ، قال عكرمة : العرب تسمي المطر بحرا تقول : أجدب البرّ وانقطعت مادّة البحر ، ثم بين سببه بقوله تعالى : (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) أي : بسبب شؤم ذنوبهم ومعاصيهم كقوله تعالى (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] قال ابن عباس : الفساد في البرّ قتل