تعالى وتمام العلم وكمال القدرة وأنه لا فاعل في الحقيقة إلا هو لكن (لِقَوْمٍ) أي : ذوي همم وكفاية القيام بما يحق لهم أن يقوموا به (يُؤْمِنُونَ) أي : يوجدون هذا الوصف ويديمون تجديده كل وقت لما يتواصل عندهم من قيام الأدلة بإدامة التأمّل والإمعان والتفكر والاعتماد في الرزق على من قال (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ١٧] أي : من طالب علم فيعان عليه ، فلا يفرحون بالنعم إذا حصلت خوفا من زوالها إذا أراد القادر ذلك ، ولا يغتمون بها إذا زالت رجاء في إقبالها فضلا من الرازق ؛ لأنّ أفضل العبادة انتظار الفرج بل همهم بما عليهم من وظائف العبادة واجبها ومندوبها ، ومعرضون عما سوى ذلك قد وكلوا أمر الرزق إلى من تولى أمره وفرغ من قسمه وقام بضمانه وهو القدير العليم.
ولما أفهم ذلك عدم الاكتراث بالدنيا لأنّ الاكتراث بها لا يزيدها ، والتهاون بها لا ينقصها قال تعالى مخاطبا لأعظم المتأهلين لتنفيذ أوامره : (فَآتِ) يا خير الخلق (ذَا الْقُرْبى) أي : القرابة (حَقَّهُ) أي : من البرّ والصلة ؛ لأنه أحق الناس بالبر وصلة الرحم جودا وكرما (وَالْمِسْكِينَ) سواء كان ذا قرابة أم لا (وَابْنَ السَّبِيلِ) وهو المسافر كذلك من الصدقة ، وأمّة النبيّ صلىاللهعليهوسلم تبع له في ذلك.
تنبيه : عدم ذكر بقية الأصناف يدلّ على أنّ ذلك في صدقة التطوّع ، ودخل الفقير من باب أولى لأنه أسوأ حالا من المسكين ، فإن قيل : كيف تعلق قوله تعالى (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) بما قبله حتى جيء بالفاء؟ أجيب : بأنه لما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدّمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك ، وقد احتج أبو حنيفة بهذه الآية في وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب ، وعند الشافعي رضي الله عنه لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين. قاس سائر القرابة على ابن العمّ ؛ لأنه لا ولادة بينهم.
ولما أمر بالإيثار رغب فيه بقوله تعالى : (ذلِكَ) أي : الإيثار العالي الرتبة (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) أي : ذاته أو جهته وجانبه أي : يقصدون بمعروفهم إياه خالصا لوجهه كقوله تعالى (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) [الليل ، ٢٠] أي : يقصدون جهة التقرّب إلى الله تعالى لا جهة أخرى ، والمعنيان متقاربان ولكن الطريقة مختلفة (وَأُولئِكَ) أي : العالو الرتبة لغناهم عن كل فان (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي : الفائزون الذين لا يشوب فلاحهم شيء ، وأمّا غيرهم فخائب : أمّا من لم ينفق فواضح ، وأما من أنفق على وجه الرياء فقد خسر ماله وأبقى عليه وباله كما قال تعالى :
(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً) أي : مال على وجه الربا المحرّم بزيادة في المعاملة أو المكروه بعطية يتوقع بها مزيد مكافأة ، وكان هذا مما حرم على النبي صلىاللهعليهوسلم لقوله تعالى (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) [المدثر : ٦] أي : لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيته تشريفا له ، وكره لعامّة الناس فسمي باسم المطلوب من الزيادة في المعاملة فالربا ربوان : فالحرام : كل قرض يؤخذ فيه أكثر منه أو يجرّ منفعة ، والذي ليس بحرام أن يستدعي بهديته أو بهبته أكثر منها ، وقرأ ابن كثير بقصر الهمزة بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا ، والباقون بمدّها (لِيَرْبُوَا) أي : يزيد ويكثر ذلك (فِي أَمْوالِ النَّاسِ) أي : يحصل فيه زيادة تكون أموال الناس ظرفا لها فهو كناية عن أنّ الزيادة التي يأخذها المرابي من أموالهم لا يملكها أصلا ، وقرأ نافع بتاء الخطاب بعد اللام مضمومة وسكون الواو ، والباقون بالياء التحتية مفتوحة وفتح الواو (فَلا يَرْبُوا) أي : يزكو وينمو فلا ثواب فيه (عِنْدَ اللهِ) أي : الملك الأعلى الذي له الغنى المطلق وصفات الكمال ، وكل ما لا يربو عند الله فهو ممحوق لا وجود له فمآله إلى فناء وإن كثر (يَمْحَقُ