أحد بني آدم أخاه ، وفي البحر غصب الملك الجبار السفينة ، قال الضحاك : كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة ، وكان ماء البحر عذبا ، وكان لا يقصد الأسد البقر والغنم ، فلما قتل قابيل هابيل اقشعرّت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحا زعاقا ، وقصد الحيوانات بعضها بعضا ، وقال قتادة : هذا قبل مبعث نبينا صلىاللهعليهوسلم امتلأت الأرض ظلما ، فلما بعث الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم رجع راجعون من الناس ، وقيل : أراد بالناس كفار مكة.
ولما ذكر تعالى علية البدائية ثنى بعلية الجزائية بقوله تعالى : (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) كرما وحلما ويعفو عن كثير إمّا أصلا ورأسا ، وإمّا عن المعاجلة به ، ويؤخره إلى وقت ما في الدنيا أو الآخرة ، وقرأ قنبل بالنون بعد اللام ، والباقون بالياء التحتية ، ثم ثلث بالعلة الغائية بقوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي : عما هم عليه.
ولما بين تعالى حالهم بظهور الفساد في أحوالهم بسبب فساد أقوالهم بين لهم ضلال أمثالهم وأشكالهم الذين كانت أفعالهم كأفعالهم بقوله تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ) أي : لهؤلاء الذين لا همّ لهم سوى الدنيا (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) فإنّ سيركم الماضي لكونه لم تصحبه عبرة عدّم (فَانْظُرُوا) نظر اعتبار (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل أيامكم لتروا منازلهم ومساكنهم خالية فتعلموا أنّ الله تعالى أذاقهم وبال أمرهم وأوقعهم في حفائر مكرهم (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) أي : فلذلك أهلكناهم ولم تغن عنهم كثرتهم وأنجينا المؤمنين وما ضرّتهم قلتهم.
ولما نهى الله تعالى الكفار عما هم عليه أمر المؤمنين بما هم عليه وخاطب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ليعلم المؤمن فضيلة ما هو مكلف به فإنه أمر به أشرف الأنبياء بقوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) أي : المستقيم وهو دين الإسلام (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) أي : عظيم (لا مَرَدَّ لَهُ) أي : لا يقدر أن يرده أحد. وقوله تعالى (مِنَ اللهِ) يجوز أن يتعلق بيأتي أو بمحذوف يدل عليه المصدر أي : لا يردّه من الله أحد. والمراد به يوم القيامة لا يقدر أحد على رده من الله ، وغيره عاجز من رده فلا بد من وقوعه (يَوْمَئِذٍ) أي : إذ يأتي (يَصَّدَّعُونَ) أي : يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير.
ثم أشار إلى التفرّق بقوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ) أي : منهم (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أي : وبال كفره (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً) أي : بالإيمان وما يترتب عليه (فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) أي : يوطئون منازلهم في القبور وفي الجنة بل وفي الدنيا فإن الله تعالى يعزهم بعز طاعته.
تنبيه : أظهر قوله تعالى صالحا ولم يضمر لئلا يتوهم عود الضمير على من كفر وبشارة بأنّ أهل الجنة كثير وإن كانوا قليلا ؛ لأنّ الله تعالى هو مولاهم فهو مزكيهم. وأفرد الشرط وجمع الجزاء في قوله تعالى (فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) [الروم : ٤٤] إشارة إلى أنّ الرحمة أعم من الغضب فتشمله وأهله وذريته ، وفيه ترغيب في العمل من غير نظر إلى مساعد ، وبأنه ينفع نفسه وغيره لأنّ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وأقل ما ينفع والديه وشيخه في ذلك العمل.
وقوله تعالى : (لِيَجْزِيَ) أي : الله سبحانه وتعالى الذي أنزل هذه السورة لبيان أنه ينصر أولياءه لإحسانه لأنه مع المحسنين ، ولذلك اقتصر هنا على ذكرهم بقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : تصديقا لإيمانهم (مِنْ فَضْلِهِ) علة ليمهدون أو ليصدعون ، والاقتصار على جزاء الموصوفين للإشعار بأنه المقصود بالذات والاكتفاء عن فحوى قوله تعالى (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) فإن فيه إثبات البغض لهم فيعذبهم ، والمحبة للمؤمنين فيثيبهم ، وتأكيد اختصاص