رجالا ونساء ، وهي رواية الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس. ثالثها : أنّ الضمير في عليه يعود على المخلوق بمعنى : والإعادة أهون على المخلوق أي : إعادته شيئا بعدما أنشأه ، هذا في عرف المخلوقين فكيف ينكرون ذلك في جانب الله تعالى! والثاني : أنّ أهون ليس للتفضيل بل هي صيغة بمعنى هين كقولهم : الله أكبر أي : كبير ، وهي رواية العوفيّ عن ابن عباس ، وقد يجئ أفعل بمعنى الفاعل كقول الفرزدق (١) :
إنّ الذي سمك السماء بنى لنا |
|
بيتا دعائمه أعز وأطول |
أي : عزيزة طويلة وعود الضمير على الباري تعالى أولى ليوافق الضمير في قوله تعالى (وَلَهُ الْمَثَلُ) أي : الوصف العجيب الشأن كالقدرة العامّة والحكمة الشاملة. قال ابن عباس : هو أنه ليس كمثله شيء ، وقال قتادة : هو أنه لا إله إلا هو ، قال البيضاوي : ومن فسره بلا إله إلا الله أراد به الوصف بالوحدانية (الْأَعْلى) أي : الذي ليس لغيره ما يساويه أو يدانيه.
ولما كان الخلق لقصورهم مقيدين بما لهم به نوع مشاهدة قال (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : اللتين خلقهما ولم يستعصيا عليه فكيف يستعصي عليه شيء فيهما (وَهُوَ) أي : وحده (الْعَزِيزُ) أي : الذي إذا أراد شيئا كان له في غاية الانقياد كائنا ما كان (الْحَكِيمُ) أي : الذي إذا أراد شيئا أتقنه فلم يقدر غيره إلى التوصل إلى بعض شيء منه ، ولا تتمّ حكمة هذا الكون على هذه الصورة إلا بالبعث بل هي الحكمة العظمى ليصل كل ذي حق إلى حقه بأقصى التحرير.
ولما أبان من هذا أنه تعالى المنفرد بالملك بشمول العلم وتمام القدرة وكمال الحكمة اتصل بحسن أمثاله وإحكام مقاله وفعاله قوله تعالى : (ضَرَبَ) أي : جعل (لَكُمْ) بحكمته أيها المشركون في أمر الأصنام وبيان الإبطال من يشرك بها وفساد قوله بأجلى ما يكون من التقرير (مَثَلاً) مبتدأ (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) التي هي أقرب الأشياء إليكم ، ثم بين المثل بقوله تعالى : (هَلْ لَكُمْ) أي : يا من عبدوا مع الله غيره مما أي : من بعض ما (مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي : من العبيد والإماء الذين هم بشر مثلكم وعمم في النفي الذي هو المراد بالاستفهام بزيادة الجار بقوله تعالى : (مِنْ شُرَكاءَ) أي : في حالة من الحالات يسوغ لكم بذلك أن تجعلوا لله شركاء (فِي ما رَزَقْناكُمْ) من الأموال وغيرها مع ضعف ملككم فيه فائدة (فِي) مقطوعة عن (ما فَأَنْتُمْ) أي : يا معاشر الأحرار والعبيد (فِيهِ) أي : الشيء الذي وقعت فيه الشركة (سَواءٌ) فيكون أنتم وهم شركاء يتصرّفون فيه كتصرّفكم مع أنهم بشر مثلكم. فإن قيل : أيّ : فرق بين من الأولى والثانية والثالثة في قوله تعالى من أنفسكم؟ أجيب : بأن الأولى : للابتداء كأنه قال : أخذ مثلا وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي من أنفسكم ولم يبعد ، والثانية : للتبعيض ، والثالثة : مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي ، ثم بين المساواة بقوله تعالى : (تَخافُونَهُمْ) أي : معاشر السادة في التصرّف في ذلك الشيء المشترك (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي : كما تخافون بعض من تشاركونه ممن يساويكم في
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ١٥٥ ، والأشباه والنظائر ٦ / ٥٠ ، وخزانة الأدب ٦ / ٥٣٩ ، وشرح المفصل ٦ / ٩٧ ، ٩٩ ، والصاحبي في فقه اللغة ٢٥٧ ، ولسان العرب (كبر) ، (عزز) ، وتاج العروس (عزز) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٨٨ ، وشرح ابن عقيل ٤٦٧ ، وتاج العروس (بنى).