وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة» (١) وقال صلىاللهعليهوسلم : «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (٢) وقال صلىاللهعليهوسلم : «لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي» (٣).
ولما ذكر تعالى أقوال الكفار ذكر قول رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى :
(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩))
(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِ) أي : أيها المحسن إليّ بأنواع الإحسان وعبر بأداة البعد هضما لنفسه ، ومبالغة في التضرع (إِنَّ قَوْمِي) أي : قريشا الذين لهم قوة ومنعة (اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ) أي : المقتضي للإجماع عليه والمبادرة إليه (مَهْجُوراً) أي : متروكا بعيدا لم يؤمنوا به ولم يقبلوه ، وأعرضوا عن استماعه.
تنبيه : أشار بصيغة الافتعال إلى أنهم عالجوا أنفسهم في تركه علاجا كثيرا لما يرون من حسن نظمه ويذوقون من لذيذ معانيه ورائق أساليبه ، ولطيف عجائبه وبديع غرائبه ، وأكثر المفسرين على أن هذا القول وقع من النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقال أبو مسلم : بل المراد أنه يقوله في الآخرة كقوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) [النساء ، ٤١] الآية ، والأول أولى ؛ لأن قوله تعالى : (وَكَذلِكَ) أي : كما جعلنا لك عدوا من مشركي قومك (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍ) من الأنبياء قبلك رفعة
__________________
(١) أخرجه البخاري في الذبائح حديث ٥٥٣٤ ، ومسلم في البر حديث ٢٦٢٨.
(٢) أخرجه أبو داود في الأدب حديث ٤٨٣٣ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٧٨ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٠٣.
(٣) أخرجه أبو داود في الأدب حديث ٤٨٣٢ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٩٥ ، والدارمي في الأطعمة حديث ٢٠٥٧.