والمعتزلة والرافضة. والمراد بالواحدة : هي ملة السنة والجماعة الذين اتبعوا الرسول صلىاللهعليهوسلم في أقواله وأفعاله.
فإن قيل : ما الدليل على أنّ الاختلاف في الأديان فلم لا يجوز أن يحمل على الاختلاف في الألوان والألسنة والأرزاق والأعمال؟ أجيب : بأنّ الدليل عليه ما قبل هذه الآية وهو قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) فيجب حمل الاختلاف على ما يخرجهم من أن يكونوا أمّة واحدة وما بعد هذه الآية وهو قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ،) أي : أراد لهم الخير فلا يختلفون فيه ، فيجب حمل الاختلاف على معنى يصح أن يستثنى منه ذلك ، وفي هذه الآية دلالة على أنّ الهداية والإيمان لا تحصل إلا بتخليق الله تعالى ؛ لأنّ تلك الرحمة ليست عبارة عن إعطاء القدرة والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب وإزاحة العذر ، فإنّ كل ذلك حاصل في حق الكفار فلم يبق إلا أن يقال : تلك الرحمة هو أنه سبحانه وتعالى خلق فيهم تلك الهداية والمعرفة (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ،) أي : خلق أهل الاختلاف للاختلاف ، وخلق أهل الرحمة للرحمة. روي عن ابن عباس أنه قال : خلق الله أهل الرحمة لئلا يختلفوا ، وخلق أهل العذاب لأن يختلفوا ، وخلق الجنة وخلق لها أهلا ، وخلق النار وخلق لها أهلا ، والحاصل : أنّ الله تعالى خلق أهل الباطل وجعلهم مختلفين ، وخلق أهل الحق وجعلهم متفقين ، فحكم على بعضهم بالاختلاف وهم أهل الباطل ومصيرهم إلى النار ، وحكم على بعضهم بالاتفاق وهم أهل الحق ومصيرهم إلى الجنة ، ويدل لذلك قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وهي (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ ،) أي : الجنّ (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وهذا صريح بأنّ الله تعالى خلق أقواما للجنة والرحمة فهداهم ووفقهم لأعمال أهل الجنة ، وخلق أقواما للضلالة والنار فخذلهم ومنعهم من الهداية.
ولما ذكر تعالى القصص الكثيرة في هذه السورة ذكر نوعين من الفائدة أوّلهما تثبيت الفؤاد بقوله تعالى : (وَكُلًّا ،) أي : وكل نبأ (نَقُصُّ عَلَيْكَ) وقوله تعالى : (مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ،) أي : نخبرك به بيان لكل. وقوله تعالى : (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) بدل من كلا ، ومعنى تثبيت فؤاده : زيادة يقينه وطمأنينة قلبه وثبات نفسه على أداء الرسالة وعلى الصبر واحتمال الأذى ، وذلك لأنّ الإنسان إذا ابتلي بمحنة وبلية فإذا رأى له فيه مشاركا خف ذلك على قلبه كما يقال : المصيبة إذا عمت خفت ، وإذا سمع الرسول صلىاللهعليهوسلم هذه القصص وعلم أنّ حال جميع الأنبياء مع أتباعهم هكذا سهل عليه تحمل الأذى من قومه وأمكنه الصبر عليه.
الفائدة الثانية : قوله تعالى : (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ ،) أي : في السورة وعليه الأكثر ، أو في هذه الأنباء المقتصة فيها. وقال الحسن : في هذه الدنيا. قال الرازي : وهذا بعيد غير لائق بهذا الموضع ؛ لأنه لم يجر للدنيا ذكر حتى يعود الضمير لها. فإن قيل : قد جاءه الحق في غير هذه السورة بل القرآن كله حق وصدق؟ أجيب : بأنه إنما خصها بالذكر تشريفا لها (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) وخصهم بالذكر لانتفاعهم بذلك بخلاف الكفار ، فذكر تعالى أمورا ثلاثة : الحق والموعظة والذكرى ، أمّا الحق فهو إشارة إلى البراهين الدالة على التوحيد والعدل والنبوّة والمعاد ، وأمّا الموعظة فهي إشارة إلى السفر عن الدنيا وتقبيح أحوالها ، وأمّا الذكرى فهي إشارة إلى الإرشاد إلى الأعمال النافذة الصالحة في الدار الآخرة.
ولما بلغ تعالى الغاية والإنذار والإعذار والترغيب والترهيب أتبع ذلك بأن قال لرسوله