سورة النحل
مكية ، إلا قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ) إلى آخر السورة وحكى الأصم عن بعضهم أنها كلها مدنية وقال آخرون : من أوّلها إلى قوله : (كُنْ فَيَكُونُ) مدني وما سواه مكي. وعن قتادة بالعكس ، وتسمى سورة النعم والمقصود من هذه السورة الدلالة على أنه تعالى تام القدرة والعلم فاعل بالاختيار منزه عن شوائب النقص وأدل ما فيها على هذا المعنى أمر النحل ، لما ذكر من شأنها في دقة الفهم في ترتيب بيوتها ورحبها وسائر أمرها من اختلاف ألوان ما يخرج منها من أعسالها وجعله شفاء مع أكلها من الثمار النافعة والضارة وغير ذلك من الأمور ووسمها بالنعم واضح وهي مائة وثمانية وعشرون آية وألفان وثمانمائة وأربعون كلمة وعدد حروفها سبعة آلاف وسبعمائة وسبعة أحرف.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(بِسْمِ اللهِ) أي : المحيط بدائرة الكمال فما شاء فعل (الرَّحْمنِ) أي : الذي عمت نعمته جليل خلقه وحقيره صغيره وكبيره. (الرَّحِيمِ) أي : الذي خص من شاء بنعمته النجاة مما يسخطه بما يراه وقوله تعالى :
(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩))
(أَتى أَمْرُ اللهِ) فيه وجهان أحدهما أنه ماض لفظا مستقبل معنى إذ المراد به يوم القيامة وإنما أبرزه في صورة ما وقع وانقضى تحقيقا له ولصدق المخبر به. والثاني : أنه على بابه والمراد مقدّماته وأوائله وهو نصر رسوله صلىاللهعليهوسلم ، أي : جاء أمر الله ودنا وقرب فإنه يقال في الكلام المعتاد إنه قد أتى ووقع إجراء لما يجب وقوعه مجرى الواقع. يقال لمن طلب الإعانة وقرب حصولها : جاءك الغوث ، أي : أتى أمر الله وعدا (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) وقوعا قبل مجيئه فإنه واقع لا محالة روي أنه صلىاللهعليهوسلم