عامّة؟ قال : «بل للناس عامّة» (١). قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.
وعن عبد الله بن مسعود أنّ رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فذكر ذلك له فنزلت فقال رجل : يا رسول الله ، ألهذا خاصة؟ فقال : «بل للناس كافة» (٢). وعن معاذ بن جبل قال : أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم رجل فقال : يا رسول الله ، أرأيت رجلا لقي امرأة ليس بينهما معرفة وليس يأتي الرجل إلى امرأة شيئا إلا قد أتى هو إليها إلا أنه لم يجامعها؟ قال : فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمره النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يتوضأ ويصلي ، فقال معاذ بن جبل فقلت : يا رسول الله ، أهي له خاصة أم للمؤمنين عامّة؟ قال : «بل للمؤمنين عامّة».
قال العلماء : الصغائر من الذنوب تكفرها الأعمال الصالحة مثل الصلاة والصدقة والذكر والاستغفار ونحو ذلك من أعمال البر ، وأمّا الكبائر من الذنوب فلا يكفرها إلا التوبة النصوح ولها ثلاث شرائط : الأوّل : الإقلاع عن الذنب بالكلية ، الثاني : الندم على فعله ، الثالث : العزم التام على أن لا يعود إليه في المستقبل ، فإذا حصلت هذه الشرائط صحت التوبة وكانت مقبولة إن شاء الله تعالى والإشارة في قوله تعالى (ذلِكَ ذِكْرى) إلى ما تقدّم ذكره من قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) إلى ههنا. وقيل : هو إشارة إلى القرآن.
وقوله تعالى : (وَاصْبِرْ) خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أي : واصبر يا محمد على أذى قومك أو على الصلاة وهو قوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) [طه ، ١٣٢](فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ،) أي : أجر أعمالهم. وعدل عن الضمير ليكون كالبرهان على المقصود ودليلا على أنّ الصلاة والصبر إحسان وإيماء بأنه لا يعتد بهما دون الإخلاص.
ولما بيّن تعالى أنّ الأمم المتقدّمين حل بهم عذاب الاستئصال بين أنّ السبب فيه أمران ، السبب الأوّل : أنه ما كان فيهم قوم ينهون عن الفساد في الأرض فقال تعالى : (فَلَوْ لا ،) أي : فهلا (كانَ مِنَ الْقُرُونِ ،) أي : من الأمم الماضية (مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ ،) أي : أصحاب رأي وخير وفضل (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) وسمى الفضل والجود بقية ؛ لأنّ الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله فصار مثلا في الجودة والفضل ، ويقال : فلان من بقية القوم ، أي : من خيارهم وبه فسر بيت الحماسة (٣) :
إن تذنبوا ثم يأتيني بقيتكم
ومنه قولهم : في الزوايا خبايا ، وفي الرجال بقايا. ويجوز أن تكون البقية بمعنى البقوى كالتقية بمعنى التقوى ، أي : فهلا كان منهم ذوو بقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط الله تعالى وعقابه.
فائدة : حكي عن الخليل أنه قال : كل ما في القرآن من كلمة لو لا فمعناه هلا إلا التي في الصافات. قال صاحب «الكشاف» : وما صحت هذه الحكاية ففي غير الصافات (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ
__________________
(١) أخرجه الترمذي في التفسير حديث ٣١١٥.
(٢) انظر الحاشية السابقة.
(٣) عجزه :
فما عليّ بذنب منكم فوت
والبيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (بقى) ، والمحتسب ١ / ١٩٦.