أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور عاملا ، أي : من الظلمة. وعن محمد بن سلمة : الذباب على العذرة أحسن من قارئ على باب هؤلاء. قال صلىاللهعليهوسلم : «من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه» (١). ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء فقال : لا فقيل له : يموت ، فقال : دعه يموت.
وقوله تعالى : (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ،) أي : أعوانا وأنصارا يمنعوكم من عذابه حال من قوله : (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ،) أي : فتمسكم النار وأنتم على هذه الحالة (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ،) أي : لا تجدون من ينصركم ويخلصكم من عذاب الله في القيامة. ففي هذه الآية وعيد لمن ركن إلى الظلمة بأن تمسه النار فكيف يكون حال الظالم في نفسه.
ولما أمر تعالى بالاستقامة أردفه بالأمر بالصلاة بقوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) وذلك يدلّ على أنّ أعظم العبادات بعد الإيمان بالله تعالى هو الصلاة وقوله تعالى : (طَرَفَيِ النَّهارِ) الغداة والعشي ، أي : الصبح والظهر والعصر. وقوله تعالى : (وَزُلَفاً) جمع زلفة ، أي : طائفة (مِنَ اللَّيْلِ ،) أي : المغرب والعشاء (إِنَّ الْحَسَناتِ) كالصلوات الخمس (يُذْهِبْنَ ،) أي : يكفرن (السَّيِّئاتِ ،) أي : الذنوب الصغائر ، لما رواه مسلم أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهنّ ما اجتنبت الكبائر» (٢) ، وزاد في رواية أخرى : «ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر» (٣) ، وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «أرأيتم لو أنّ نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرّات ما تقولون هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا : لا يا رسول الله ، لا يبقى من درنه شيء. فقال : ذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا» (٤). وعن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرّات» (٥). وعن الحسن أنّ الحسنات قول العبد : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وسبب نزول هذه الآية ما رواه الترمذي عن أبي اليسر بن عمرو قال : أتتني امرأة وزوجها بعثه النبيّ صلىاللهعليهوسلم في بعث فقالت : بعني بدرهم تمرا. قال : فأعجبتني فقلت : إنّ في البيت تمرا هو أطيب من هذا فالحقيني ، فدخلت معي البيت فأهويت إليها فقبلتها ، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال : استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا ، فأتيت عمرا فذكرت له ذلك فقال : استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا ، فأتيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم فذكرت ذلك له فقال : «أخنت رجلا غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا» حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة حتى ظنّ أنه من أهل النار وأطرق رسول الله صلىاللهعليهوسلم طويلا حتى أوحي إليه : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) إلى قوله تعالى : (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ ،) أي : عظة للمتقين. قال أبو اليسر : فأتيته فقرأها عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألهذا خاصة أم للناس
__________________
(١) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٦ / ١٣٣ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٣٤٣ ، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار ٢ / ٨٨.
(٢) أخرجه مسلم في الطهارة حديث ٢٣٣.
(٣) انظر الحاشية السابقة.
(٤) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٦٦٧ ، والترمذي في الأمثال حديث ٢٨٦٨.
(٥) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٦٦٨.