عمرو بن العاص : «ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد» (١) ، أي : من أهل الكبائر من أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم بأن تخلى طبقتهم التي كانوا فيها وإن نازع في ذلك الزمخشري على مذهبه الفاسد من أنّ أهل الكبائر يخلدون في النار ، وأمّا الاستثناء في أهل السعادة فيرجع إلى مدّة لبثهم في النار قبل دخولهم الجنة ، أو أنّ الاستثناء راجع إلى الفريقين فإنهم مفارقوا الجنة أيام عذابهم ، وأنّ التأبيد من مبدأ معين ينقص باعتبار الابتداء كما ينقص باعتبار الانتهاء ، وهؤلاء وإن شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بإيمانهم ، ولا يقال : فعلى هذا لم يكن قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) تقسيما صحيحا ؛ لأنّ شرطه أن تكون صفة كل قسم منتفية عن قسيمه ؛ لأنّ ذلك الشرط حيث التقسيم لانفصال حقيقي ، أو مانع من الجميع من الجنة والنار ، مدّة تعميرهم في الدنيا واحتباسهم في البرزخ وهو ما بين الموت إلى البعث ومدّة وقوفهم للحساب ، ثم يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيكون المعنى خالدين في الجنة والنار إلا هذا المقدار. وقيل : معناه لو شاء ربك لأخرجهم منها ولكنه لا يشاء ؛ لأنه تعالى حكم بالخلود. وقال الفراء : هذا الاستثناء استثناه الله تعالى ولا يفعله ، كقولك : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وعزيمتك أن تضربه.
وقال أهل المعاني : هذه عبارة عن التأبيد على عادة العرب يقولون : لا آتيك ما دامت السموات والأرض ولا يكون كذا ما اختلف الليل والنهار يعنون أبدا. وقيل : إنّ أهل النار ينقلون منها إلى الزمهرير وغيره من العذاب أحيانا ، وكذلك أهل الجنة ينعمون بما هو أعلى من الجنة وهو الفوز برضوان الله تعالى ولقائه كما قال تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة ، ٧٢]. وقرأ حفص وحمزة والكسائي سعدوا بضم السين على البناء للمفعول من سعده الله بمعنى أسعده والباقون بفتحها ، وعطاء نصب على المصدر المؤكد ، أي : أعطوا عطاء ، أو الحال من الجنة.
ولما شرح الله تعالى أقاصيص عبدة الأوثان ثم أتبعه بأحوال الأشقياء وأحوال السعداء شرح للرسول صلىاللهعليهوسلم أحوال الكفار من قومه فقال :
(فَلا تَكُ) يا محمد (فِي مِرْيَةٍ ،) أي : شك (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) المشركون من الأصنام أننا نعذبهم كما عذبنا من قبلهم ، وهذه تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ ،) أي : كعبادتهم (مِنْ قَبْلُ) وقد عذبناهم (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ) مثلهم (نَصِيبَهُمْ ،) أي : حظهم من العذاب (غَيْرَ مَنْقُوصٍ ،) أي : كاملا غير ناقص.
ولما ذكر تعالى في هذه الآية إعراضهم عن الاتباع مع ما أتى به من المعجزات وأنزل عليه من الكتاب سلاه بأخيه موسى عليهالسلام بقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ،) أي : التوراة الجامعة للخير (فَاخْتُلِفَ فِيهِ ،) أي : الكتاب ، فآمن به قوم وكفر به قوم ، كما اختلف هؤلاء في القرآن (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة (لَقُضِيَ ،) أي : لوقع القضاء (بَيْنَهُمْ ،) أي : بين من اختلف في كتاب موسى في الدنيا فيما اختلفوا فيه بإنزال ما يستحقه المبطل ليتميز به المحق ، ولكن سبقت الكلمة أنّ القضاء الكامل إنما يكون يوم القيامة
__________________
(١) أخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء ٥ / ١٨٦٣ ، والألباني في السلسلة الضعيفة ٦٠٦.