لها (وَما هِيَ ،) أي : تلك الحجارة (مِنَ الظَّالِمِينَ ،) أي : مشركي مكة (بِبَعِيدٍ ،) أي : بشيء بعيدا وبمكان بعيد ؛ لأنها وإن كانت في السماء وهي مكان بعيد إلا أنها إذا وقعت منها فهي أسرع شيء لحوقا بالمرمي ، فكأنها بمكان قريب منه ، وفيه وعيد لهم ، وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «سأل جبريل؟ فقال : يعني ظالمي مكة ما من ظالم منهم إلا وهو يعرض عليه حجر فيسقط عليه من ساعة إلى ساعة» (١) وقيل : الضمير للقرى ، أي : هي قريبة من ظالمي مكة يمرّون عليها في مسيرهم.
القصة السادسة : التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة قصة شعيب عليهالسلام المذكورة في قوله تعالى:
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥))
(وَإِلى مَدْيَنَ ،) أي : وأرسلنا إلى مدين وهم قبيلة ؛ أبوهم مدين بن إبراهيم عليهالسلام. وقيل : هو اسم مدينة بناها مدين المذكور ، وعلى هذا فالتقدير : وأرسلنا إلى أهل مدين ، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه ، (أَخاهُمْ ،) أي : في النسب لا في الدين و (شُعَيْباً) عطف بيان وكأنّ قائلا قال : فما قال لهم؟ فقيل : (قالَ) ما قال إخوته من الأنبياء في البداءة بأصل الدين. (يا قَوْمِ) مستعطفا لهم مظهرا غاية الشفقة (اعْبُدُوا اللهَ ،) أي : وحدوه ولا تشركوا به شيئا (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) فلقد اتفقت كما ترى كلمتهم ، واتحدت إلى الله تعالى دعوتهم ، وهذا وحده قطعي الدلالة على صدق كل منهم لما علم قطعا من تباعد أعصارهم ، وتنائي ديارهم ، وإن بعضهم لم يلمّ بالعلوم ، ولا عرف أخبار الناس إلا من الحيّ القيوم ، ولما دعاهم إلى العدل فيما بينهم وبين الله تعالى دعاهم إلى العدل فيما بينهم وبين عبيده في أقبح ما كانوا اتخذوه بعد الشرك تدينا فقال : (وَلا تَنْقُصُوا) بوجه من الوجوه (الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ ،) أي : لا الكيل ولا آلته ولا الوزن ولا آلته ، والكيل تعديل الشيء بالآلة في القلة والكثرة ، والوزن تعديله في الخفة والثقل ، فالكيل العدل في
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.