إتيان الذكور وما لنا فيه الشهوة فعند ذلك.
(قالَ ،) أي : لوط عليهالسلام (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ،) أي : طاقة (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ،) أي : عشيرة تنصرني شبهت بركن الجبل في شدّته ، وعنه صلىاللهعليهوسلم : «رحم الله أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد» (١) ، والركن الشديد نصر الله ومعونته فكأن النبيّ صلىاللهعليهوسلم استغرب من لوط عليهالسلام قوله : (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) وعدّه نادرة إذ لا يمكن أشدّ من الركن الذي كان يأوي إليه ، وجواب لو محذوف تقديره : لبطشت بكم أو لدفعتكم ، روي أنه أغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوّروا الجدار فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب. (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) بسوء فافتح الباب ودعنا وإياهم ، ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل ربه في عقوبتهم فأذن له ، فقام في الصورة التي يكون فيها فنشر جناحه ، وله جناحان ، وعليه وشاح من درّ منظوم وهو براق الثنايا ، فضرب بجناحه وجوههم ، فطمس أعينهم كما قال تعالى : (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) [القمر ، ٣٧] فصاروا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم ، فخرجوا وهم يقولون : النجاء النجاء ، فإنّ في بيت لوط قوما سحرة.
تنبيه : (لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) جملة موضحة للتي قبلها ؛ لأنهم إذا كانوا رسل الله لن يصلوا إليه ، ولن يقدروا على ضرره ، ثم قالوا له : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ ،) أي : طائفة (مِنَ اللَّيْلِ) وقرأ نافع وابن كثير بعد الفاء بهمزة وصل من السرى والباقون بهمزة قطع من الإسراء. (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ،) أي : لا ينظر إلى ورائه لئلا يرى عظيم ما نزل بهم. وقوله : (إِلَّا امْرَأَتَكَ) قرأه ابن كثير وأبو عمرو برفع التاء على أنه بدل من أحد ، والباقون بالنصب على أنه استثناء من الأهل ، أي : فلا تسر بها (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) فلم يخرج بها ، وقيل : خرجت والتفتت فقالت : وا قوماه فجاءها حجر فقتلها. روي أنه قال لهم : متى موعد هلاكهم فقالوا له : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) قال : أريد أسرع من ذلك فقالوا : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ،) أي : فأسرع الخروج بمن أمرت بهم.
(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا ،) أي : عذابنا بهلاكهم (جَعَلْنا عالِيَها ،) أي : قراهم (سافِلَها) روي أنّ جبريل عليهالسلام أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط المؤتفكات المذكورة في سورة براءة ، وكانت خمس مدائن ، وفيها أربعمائة ألف ، وقيل : أربعة آلاف ألف فرفع المدائن كلها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونهيق الحمير ونباح الكلاب ، لم يكفأ لهم إناء ولم ينتبه نائم ، ثم أسقطها مقلوبة إلى الأرض. (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها ،) أي : المدن بعد قلبها ، وقيل : على شذّاذها وهو بضمّ الشين المعجمة وبذالين معجمتين أولاهما مشدّدة وهم الذين ليسوا من أهلها يكونون في القوم وليسوا منهم (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ،) أي : من طين طبخ بالنار كما قال تعالى في موضع آخر (مِنْ طِينٍ) وقيل : مثل السجل وهو الدلو العظيمة. (مَنْضُودٍ ،) أي : متتابع يتبع بعضها بعضا.
(مُسَوَّمَةً ،) أي : معلمة عليها اسم من يرمى بها. وقال أبو صالح : رأيت منها عند أم هانئ ، وهي حجارة فيها خطوط حمر على هيئة الجزع. وقال الحسن : عليها أمثال الخواتيم. وقال ابن جريج : كان عليها سيما يعلم بها أنها ليست من حجارة الأرض ، وقوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّكَ) ظرف
__________________
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٣٨٧ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٥١ ، والترمذي في التفسير حديث ٣١١٦ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٤٠٢٦.