وجودكم وعدمكم عنده سواء (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ) صغير أو كبير ، حقير أو جليل. (حَفِيظٌ ،) أي : رقيب عالم بكل شيء وقادر على كل شيء فيحفظني أن تنالوني بسوء أو حفيظ لأعمال العباد حتى يجازيهم عليها ، أو حفيظ على كل شيء يحفظه من الهلاك إذا شاء ويهلكه إذا شاء.
(وَلَمَّا) لم يرجعوا ولم يرعووا ببينة ولا رغبة ولا رهبة (جاءَ أَمْرُنا) أي : عذابنا ، وذلك هو ما نزل بهم من الريح العقيم عذبهم الله تعالى بها سبع ليال وثمانية أيام حسوما تدخل في مناخرهم وتخرج من أدبارهم وترفعهم وتضربهم على الأرض على وجوههم حتى صاروا كأعجاز نخل خاوية ، وهنا همزتان مفتوحتان من كلمتين. قرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الأولى ، وقرأ ورش وقنبل بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية والباقون بتحقيقهما ، (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ،) أي : من هذا العذاب وكانوا أربعة آلاف (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) لأنّ العذاب إذا نزل قد يعمّ المؤمن والكافر ، فلما أنجى الله تعالى المؤمنين من ذلك العذاب كان برحمته وفضله وكرمه (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) هو عذاب الآخرة. ووصفه بالغلظ ؛ لأنه أغلظ من عذاب الدنيا أو نجينا هودا والذين آمنوا معه من أن يصل إليهم الكفار بسوء مع اجتهادهم في ذلك ، ونجيناهم من عذاب غليظ هو الريح المذكورة.
ولما ذكر الله تعالى قصة عاد خاطب أمة محمد صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَتِلْكَ عادٌ) وهو إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه تعالى قال : سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا ، ثم إنه تعالى جمع أوصافهم ثم ذكر عاقبة أحوالهم في الدنيا والآخرة ، أمّا أوصافهم فثلاثة : الصفة الأولى : قوله تعالى : (جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ ،) أي : بالمعجزات التي أتى بها هود عليهالسلام. الصفة الثانية : قوله تعالى : (وَعَصَوْا رُسُلَهُ ،) أي : هودا وحده ، وإنما أتى به بلفظ الجمع إمّا للتعظيم ، أو لأنّ من عصى رسولا فقد عصى جميع الرسل لقوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة ، ٢٨٥]. الصفة الثالثة : قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ،) أي : أنّ السفلة كانوا يقلدون الرؤساء في قولهم : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [المؤمنون ، ٢٤] فأطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم ، وعصوا من دعاهم إلى الإيمان ولا يرديهم ، والجبار : المرتفع المتمرد ، والعنيد والعنود والمعاند هو المنازع المعارض.
ولما ذكر تعالى أوصافهم ذكر أحوالهم بقوله تعالى : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ ،) أي : جعل اللعن رديفا لهم ومتابعا ومصاحبا في الدنيا والآخرة. ومعنى اللعنة : الإبعاد من رحمة الله تعالى ومن كل خير ، وقيل : اللعنة في الدنيا من الناس وفي الآخرة لعنة على رؤوس الأشهاد. ثم إنه تعالى بين السبب الأصلي في نزول هذه الأحوال المكروهة بهم بقوله تعالى : (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ ،) أي : كفروا بربهم ، فحذف الباء أو أنّ المراد بالكفر الجحد ، أي : جحدوا ربهم. وقيل : هو من باب حذف المضاف ، أي : كفروا نعمة ربهم.
تنبيه : ألا أداة استفتاح لا تذكر لا بين كلام يعظم موقعه ويجل خطبه ، ثم قال : (أَلا بُعْداً لِعادٍ) دعاء عليهم بالهلاك. والمراد به الدلالة على أنهم كانوا مستوجبين لما نزل بهم بسبب ما حكي عنهم ، وإنما كرر ألا وأعاد ذكرهم تفظيعا لأمرهم وحثا على الاعتبار بحالهم. وقوله تعالى : (قَوْمِ هُودٍ) عطف بيان لعاد وفائدته تمييزهم من عاد الثانية عاد إرم والإيماء إلى استحقاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين هود.