القصة الثالثة : التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة قصة صالح عليهالسلام المذكورة في قوله تعالى :
(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨))
(وَإِلى ثَمُودَ) وهم سكان الحجر ، أي : وأرسلنا إلى ثمود (أَخاهُمْ) فهو معطوف على قوله تعالى : (نُوحاً) كما عطف عليه (وَإِلى عادٍ) وقوله تعالى : (صالِحاً) عطف بيان ، وتلك الأخوة كانت في النسب لا في الدين ، كما مرّ في هود ، ثم أخرج قوله عليهالسلام على تقدير سؤال بقوله : (قالَ يا قَوْمِ ،) أي : يا من يعز عليّ أن يحصل لهم سوء (اعْبُدُوا اللهَ ،) أي : وحدوه وخصوه بالعبادة (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) هو إلهكم المستحق للعبادة لا هذه الأصنام ، ثم ذكر الدلائل الدالة على وحدانيته تعالى بقوله : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ ،) أي : ابتدأ خلقكم (مِنَ الْأَرْضِ) وذلك أنهم من بني آدم وآدم خلق من الأرض ، أو أنّ الإنسان مخلوق من المني وهو متولد من الدم والدم متولد من الأغذية وهي إمّا حيوانية وإمّا نباتية ، فأمّا الحيوانية فحالها كحال الإنسان فوجب انتهاء الكل إلى النبات والنبات متولد من الأرض ، فثبت أنه تعالى أنشأ الإنسان من الأرض. وقيل : من بمعنى في كما في قوله تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) [الجمعة ، ٩]. (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها ،) أي : جعلكم عمارها وسكانها ، وقال الضحاك : أطال أعماركم فيها حتى أنّ الواحد منهم كان يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة وكذا كان قوم عاد ، وروي أنّ ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار وحصلت لهم الأعمار الطويلة ، فسأل نبيّ من أنبياء زمانهم ربه ما سبب تلك الأعمار فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي ، وأخذ معاوية في إحياء الأرض في آخرة عمره فقيل له ذلك فقال : ما حملني عليه إلا قول القائل (١) :
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به |
|
ولا يكون له في الأرض آثار |
وقال مجاهد : استعمركم من العمرى ، أي : جعلها لكم ما عشتم فإذا متم انتقلت إلى غيركم. ولما بيّن لهم عليهالسلام عظمة الله تعالى بين لهم طريق الرجوع إليه بقوله : (فَاسْتَغْفِرُوهُ ،) أي : آمنوا به (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) من عبادة غيره ؛ لأنّ التوبة لا تصح إلا بعد الإيمان وقد مرّ مثل ذلك (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ) من خلقه بعلمه لكل من أقبل عليه من غير حاجة إلى حركة (مُجِيبٌ) لكل من ناداه لا كمعبوداتكم في الأمرين. ولما قرّر لهم عليهالسلام هذه الدلائل.
__________________
(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.