فولد له عشر بنين ، فبلغ ذلك معاوية فقال : هلا سألته ممّ قال ذلك؟ فوفد مرّة أخرى فسأله الرجل فقال : ألم تسمع قول هود : (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) وقول نوح : (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) [نوح ، ١٣]. (وَلا تَتَوَلَّوْا) أي : ولا تعرضوا عن قبول قولي ونصحي حالة كونكم (مُجْرِمِينَ) أي : مشركين.
ولما حكى الله تعالى عن هود ما ذكره لقومه حكى أيضا ما ذكره قومه له وهو أشياء : أوّلها :ذكره تعالى بقوله : (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) أي : بحجة تدل على صحة دعواك. وسميت بينة ؛ لأنها تبين الحق ، ومن المعلوم أنه عليه الصلاة والسّلام كان قد أظهر لهم المعجزات إلا أن القوم لجهلهم أنكروها وزعموا أنه ما جاء بشيء من المعجزات. وثانيها : قولهم : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا) أي : عبادتها ، وقولهم : (عَنْ قَوْلِكَ) أي : صادرين عن قولك حال من الضمير في تاركي ، وهذا أيضا من جهلهم فإنهم كانوا يعرفون أنّ النافع والضارّ هو الله تعالى وأن الأصنام لا تضر ولا تنفع وذلك حكم فطرة العقل وبديهة النفس ، وثالثها : قولهم : (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) أي : مصدّقين ، وفي ذلك إقناط له من الإجابة والتصديق. ورابعها : قولهم : (إِنْ) أي : ما (نَقُولُ) في شأنك (إِلَّا اعْتَراكَ) أي : أصابك (بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) لسبك إياها فجعلتك مجنونا وأفسدت عقلك ، ثم إنه تعالى ذكر أنهم لما قالوا ذلك (قالَ) هود عليهالسلام مجيبا لهم : (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ) عليّ (وَاشْهَدُوا) أنتم أيضا عليّ (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ) أي : الله وهو الأصنام التي كانوا يعبدونها (فَكِيدُونِي) أي : احتالوا في هلاكي (جَمِيعاً) أنتم وأصنامكم التي تعتقدون أنها تضر وتنفع فإنها لا تضرّ ولا تنفع.
فائدة : اتفق القراء على إثبات الياء في كيدوني هنا وقفا ووصلا لثباتها في المصحف (ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) أي : تمهلون ، وهذا فيه معجزة عظيمة لهود عليهالسلام ؛ لأنه كان وحيدا في قومه وقال لهم هذه المقالة ولم يهبهم ولم يخف منهم مع ما هم فيه من الكفر والجبروت ثقة بالله تعالى كما قال تعالى : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) أي : فوضت أمري إليه واعتمدت عليه (ما مِنْ دَابَّةٍ) تدب على الأرض ويدخل في هذا جميع بني آدم والحيوان ؛ لأنّهم يدبون على الأرض. (إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) أي : مالكها وقاهرها فلا يقع نفع ولا ضر إلا بإذنه والناصية كما قال الأزهري : عند العرب منبت الشعر في مقدّم الرأس ، وسمي الشعر النابت هنا ناصية باسم منبته ، والعرب إذا وصفوا إنسانا بالذلة والخضوع قالوا : ما ناصية فلان إلا بيد فلان ، وكانوا إذا أسروا الأسير وأرادوا إطلاقه والمنّ عليه جزوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره ، فخوطبوا في القرآن بما يعرفون من كلامهم (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : طريق الحق والعدل فلا يظلمهم ولا يعمل إلا بالإحسان والإنصاف فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه.
وقوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) فيه حذف إحدى التاءين ، أي : تعرضوا (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) جميع (ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) فإن قيل : الإبلاغ كان قبل التولي فكيف وقع جزاء للشرط؟ أجيب : بأنّ معناه فإن تتولوا لم أعاتب على تقصير من جهتي وصرتم محجوجين ؛ لأنكم أنتم الذين أصررتم على التكذيب وقوله : (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) استئناف بالوعيد لهم بأنّ الله تعالى يهلكهم ويستخلف قوما آخرين في ديارهم وأموالهم يوحدونه تعالى ويعبدونه (وَلا تَضُرُّونَهُ) أي : الله بإشراككم (شَيْئاً) من الضرر إنما تضرون أنفسكم. وقيل : لا تنقصونه شيئا إذا أهلككم ؛ لأنّ