تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠))
(وَإِلى عادٍ) أي : وأرسلنا إلى عاد (أَخاهُمْ) فهو معطوف على قوله تعالى : (نُوحاً) وقوله تعالى : (هُوداً) عطف بيان ومعلوم أنّ تلك الأخوة ما كانت في الدين ، وإنما كانت في النسب لأنّ هودا كان رجلا من قبيلة عاد قبيلة من العرب كانوا بناحية اليمن. فإن قيل : إنه تعالى قال في ابن نوح : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) فبيّن أنّ قرابة النسب لا تفيد إذا لم تحصل قرابة الدين ، وهنا أثبت هذه الأخوة مع الاختلاف في الدين؟ أجيب : بأنّ قوم محمد صلىاللهعليهوسلم كانوا يستبعدون أن يكون رسولا من عند الله تعالى مع أنه واحد من قبيلتهم ، فذكر الله تعالى أنّ هودا كان واحدا من عاد ، وأنّ صالحا كان واحدا من ثمود لإزالة هذا الاستبعاد ، ولما تقدّم أمر نوح عليهالسلام مع قومه استشرف السامع إلى معرفة ما قال هود عليهالسلام هل هو مثل قوله أولا؟ فاستأنف الجواب بقوله : (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : وحدوه ولا تشركوا معه شيئا في العبادة. (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) أي : هو إلهكم ؛ لأنّ هذه الأصنام التي تعبدونها حجارة لا تضر ولا تنفع. فإن قيل : كيف دعاهم إلى عبادة الله تعالى قبل إقامة الدليل على ثبوت الإله؟ أجيب : بأنّ دلائل وجود الله تعالى ظاهرة وهي دلائل الآفاق والأنفس وقلما يوجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله ، ولذلك قال تعالى في صفة الكفار : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان ، ٢٥]. وقرأ الكسائي بكسر الراء والهاء صفة على اللفظ والباقون بالرفع صفة على محل الجار والمجرور ومن زائدة (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) أي : كاذبون في عبادتكم غيره.
وكرر قوله : (يا قَوْمِ) للاستعطاف ، وقوله : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي) أي : خلقني ، خاطب به كل رسول قومه إزالة للتهمة وتمحيضا للنصيحة فإنها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي : أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا المحق من المبطل والصواب من الخطأ فتتعظون.
ثم قال : (وَيا قَوْمِ) أيضا لما ذكر (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) أي : آمنوا به (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) من عبادة غيره ؛ لأنّ التوبة لا تصح إلا بعد الإيمان (يُرْسِلِ السَّماءَ) أي : المطر (عَلَيْكُمْ مِدْراراً) أي : كثير الدر (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) أي : ويضاعف قوّتكم ، وإنما رغبهم بكثرة المطر وزيادة القوّة ، لأنّ القوم كانوا أصحاب زرع وبساتين وعمارات حراصا عليها أشدّ الحرص ، فكانوا أحوج شيء إلى الماء ، وكانوا مذلين غيرهم بما أوتوا من شدّة القوّة والبطش والبأس والنجدة ، مهابين في كل ناحية ، وقيل : أراد القوّة في المال. وقيل : القوة على النكاح. وقيل : حبس عنهم المطر ثلاث سنين وعقمت أرحام نسائهم. وعن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما أنه وفد على معاوية ، فلما خرج تبعه بعض حجابه فقال : إني رجل ذو مال ولا يولد لي فعلمني شيئا لعل الله يرزقني ولدا. فقال : عليك بالاستغفار. فكان يكثر الاستغفار حتى ربّما استغفر في يوم واحد سبعمائة مرّة