إباحة أكل الإنسان طعاما في بيته؟ أجيب : بأن المراد من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم فيدخل فيه بيوت الأولاد ؛ لأن بيت ولده كبيته ؛ قال صلىاللهعليهوسلم : «أنت ومالك لأبيك» (١) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه وإن ولده من كسبه» (٢) ، وقيل لما نزل قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [النساء ، ٢٩] قالوا : لا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فأنزل الله تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) أي : لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ) أي : وإن بعدت أنسابهم قال البقاعي : ولعله جمع لذلك فإنها مرباكم وحرمتها حرمتكم (أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ) كذلك وقدم الأب ؛ لأنه أجل وهو حاكم بيته دائما والمال له (أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ) أي : من الأبوين أو الأب أو الأم بالنسب أو الرضاع ، فإنهم من أولى من رضي بذلك بعد الوالدين ؛ لأنهم منكم ، وهم أولياء بيوتهم (أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ ،) فإنهن بعدهم من أولي البيت ، فإن كن مزوجات فلا بد من إذن الزوج (أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ) فإنهم شقائق آبائكم سواء كانوا أشقاء أو لأب أم لأم ، ولو أفرد العم لتوهم أنه الشقيق فقط ، فإنه أحق بالاسم (أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ) فإنهن بعد الأعمام لضعفهن ؛ ولأنهن ربما كان أولياء بيوتهن الأزواج (أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ) لأنهم شقائق أمهاتكم (أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ) أخرهن لما ذكر في العمات (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) قال ابن عباس : عنى بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن ماشيته ، ولا يحمل ولا يدخر ، وملك المفاتح كونها في يده وحفظه ، وقال الضحاك : يعني من بيوت عبيدكم ومماليككم ؛ لأن السيد يملك منزل عبده والمفاتح الخزائن بقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) [الأنعام ، ٥٩] ويجوز أن تكون الذي يفتح به ، وقال عكرمة : إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير ، وقال السدي : الرجل يولي طعام غيره ويقوم عليه فلا بأس أن يأكل منه ، وقيل : أو ما ملكتم مفاتحه ما خزنتموه عندكم ، وقال مجاهد وقتادة : من بيوت أنفسكم مما ادخرتم وملكتم (أَوْ صَدِيقِكُمْ) أي : أو بيوت أصدقائكم ، والصديق هو الذي صدق في المودة ويكون واحدا وجمعا ، وكذا الخليط والقطين والعدو قال ابن عباس : نزلت في الحارث بن عمرو خرج غازيا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وخلف مالك بن زيد على أهله فلما رجع وجده مجهودا فسأله عن حاله فقال : تحرجت أكل طعامك بغير إذنك ، فأنزل الله هذه الآية. يحكى عن الحسن أنه دخل داره ، وإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالا من تحت سريره فيها الخبيص ولطائف الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون ، فتهللت أسارير وجهه سرورا وضحك وقال : هكذا وجدناهم يريد كبراء الصحابة ومن لقيهم من البدريين ، وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ ما شاء ، فإذا حضر مولاها ، فأخبرته أعتقها سرورا بذلك ، وعن جعفر بن محمد : من عظم حرمة الصديق أن جعله الله تعالى في الأنس والثقة والانبساط وطرح الحشمة بمنزلة النفس والأب والابن والأخ.
وعن ابن عباس : الصديق أكبر من الوالدين ، إن الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بالآباء والأمهات بل قالوا : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [الشعراء ، ١٠١] ، والمعنى يجوز الأكل
__________________
(١) أخرجه أبو داود في البيوع حديث ٣٥٣٠ ، وابن ماجه في التجارات حديث ٢٢٩٢.
(٢) انظر الحاشية السابقة.