منهم ، وأن تكون لابتداء الغاية ، أي : على أمم ناشئة ممن معك وهي الأمم إلى آخر الدهر. قال في «الكشاف» : وهو الوجه ، وقوله تعالى : (وَأُمَمٌ) بالرفع على الابتداء ، وقوله تعالى : (سَنُمَتِّعُهُمْ) أي : في الدنيا صفة والخبر محذوف تقديره : وممن معك أمم سنمتعهم. وإنما حذف لأنّ قوله : (مِمَّنْ مَعَكَ) يدل عليه ، والمعنى : أنّ السّلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشؤون ممن معك ، وممن معك أمم ممتعون في الدنيا (ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة وهم الكفار. وعن محمد بن كعب القرظي : دخل في ذلك السّلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، وفيما بعده من المتاع والعذاب كل كافر وقيل : المراد بالأمم الممتعة قوم هود وصالح ولوط وشعيب.
ولما شرح تعالى قصة نوح عليهالسلام على التفصيل قال تعالى : (تِلْكَ) أي : قصة نوح التي شرحناها ، ومحلّ تلك رفع على الابتداء وخبرها (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أي : من الأخبار التي كانت غائبة عن الخلق. وقوله تعالى : (نُوحِيها إِلَيْكَ) خبر ثان والضمير لها ، أي : موحاة إليك. وقوله تعالى : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) أي : نزول القرآن خبر آخر ، والمعنى : أنّ هذه القصة مجهولة عندك وعند قومك من قبل إيحائنا إليك ، ونظير هذا أن يقول إنسان لآخر : لا تعرف هذه المسألة لا أنت ولا أهل بلدك. فإن قيل : قد كانت قصة طوفان نوح مشهورة عند أهل العلم. أجيب : بأنّ ذلك كان بحسب الإجمال ، وأمّا التفاصيل المذكورة فما كانت معلومة ، أو بأنه صلىاللهعليهوسلم كان أمّيا لم يقرأ الكتب المتقدّمة ولم يعلمها. وكذلك كانت أمته.
ثم قال تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم (فَاصْبِرْ) أي : أنت وقومك على أذى هؤلاء الكفار كما صبر نوح وقومه على أذى أولئك الكفار. (إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) الشرك والمعاصي وفي هذا تنبيه على أنّ عاقبة الصبر لنبينا صلىاللهعليهوسلم النصر والفرج ، أي : السرور كما كان لنوح ولقومه. فإن قيل : هذه القصة ذكرت في يونس فما الحكمة والفائدة في إعادتها؟ أجيب : بأنّ القصة الواحدة قد ينتفع بها من وجوه ، ففي السورة الأولى كان الكفار يستعجلون نزول العذاب فذكر تعالى قصة نوح في بيان أنّ قومه كانوا يكذبونه بسبب أنّ العذاب ما كان يظهر ثم في العاقبة ظهر فكذا في واقعة محمد صلىاللهعليهوسلم وفي هذه السورة ذكرت لأجل أنّ الكفار كانوا يبالغون في الإيحاش فذكرها الله تعالى لبيان أنّ إقدام الكفار على الإيذاء والإيحاش كان حاصلا في زمان نوح عليهالسلام ، فلما صبر فاز وظفر ، فكن يا محمد كذلك لتنال المقصود ، ولما كان وجه الانتفاع بهذه القصة في كل سورة من وجه آخر لم يكن تكريرها خاليا عن الحكمة والفائدة.
القصة الثانية : من القصص التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة قصة هود عليهالسلام المذكورة في قوله تعالى :
(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا